Loader
منذ 3 سنوات

حكم كثرة الأسئلة في الدين


  • التفسير
  • 2021-07-31
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (6821) من المرسل السابق، يقول: ما تفسير قول الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ"[1]، "قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ"[2]؟

الجواب:

        من القرآن ما أنزله الله على سبيل الابتداء؛ بمعنى: إنه نزل على غير سبب. ومن القرآن ما نزل على سببٍ يكون السبب مذكوراً كما في قوله -تعالى-: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا"[3]؛ لأنهم سألوا الرسول ﷺ عن الهلال. وسؤالهم يرجع إلى ناحية ٍكونية وليس هذا مما يخصهم؛ فيكون داخلاً في قوله ﷺ: « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه »، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لشدة حرصهم على الخير كانوا يسألون رسول الله ﷺ، وكما في قوله -تعالى-:"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ"[4]، "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ"[5]... إلى آخره.

        ومما جاء في القرآن النصيحة عن الأسئلة، ومن ذلك قوله -تعالى- هنا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ"[6] وذلك أن الناس كانوا يسألون رسول الله ﷺ في ذلك الوقت أسئلة ما كان لهم أن يسألوها كما وقف موقفاً فصاروا يسألونه فيقول الرجل: أين أبي؟ فقال: « في النار »، فلما قفى دعاه، فقال: « إن أبي وأباك في النار »([7])وهكذا، ولما كثرت الأسئلة التي لا تليق أنزل الله -جل وعلا- هذه الآية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ"[8]؛ لأن الإجابة عن السؤال قد يكون فيها إساءة عندما يأتي الجواب كما بيّن الرسول ﷺ في قوله -تعالى- في الحج: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ"[9]، وكذلك لما بيّن الرسول ﷺ فرض الحج، « إن الله فرض عليكم الحج فحجوا »، فسأله رجلٌ: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت الرسول ﷺ حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله ﷺ: « لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم »[10] وقال ﷺ في بعض المواقع: « ذروني ما تركتكم »[11]، فالمقصود أن هذه الآية فيها نوع من أنواع الأدب مع الله -جل وعلا- من جهة، ومع الرسول ﷺ من جهة أخرى، وفيها -أيضاً- وضع قاعدة عامة في السؤال؛ بمعنى: إن الإنسان لا يسأل إلا عن أمرٍ يحتاج إليه؛ إما أن يحتاج إليه من جهة العلم به ويكون من الأمور التي ينبغي أن تعلم، وإما أن يكون من جهة العمل به، وإما أن يكون من جهة خطأ وقع فيه ويريد بيان المخرج فيه.

        أما ما يقع بين بعض الناس من الأسئلة التي فيها تكلف وتعنت، وفيها استغفال للسائل، وفيها سؤال عن أمورٍ يستحيل وقوعها؛ يعني: تكون من جهة المستحيل عقلاً أنها تقع، فسيسألون عن هذه الأمور فهذه الآية فيها وضع قاعدة عامة للمنهج الذي ينبغي أن يسلكه الإنسان إذا أراد أن يسأل. وبالله التوفيق.



[1] الآية (101) من سورة المائدة.

[2] الآية (102) من سورة المائدة.

[3] من الآية (189) من سورة البقرة.

[4] من الآية (222) من سورة البقرة.

[5] من الآية (217) من سورة البقرة.

[6] من الآية (101) من سورة المائدة.

[7] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار (1/191)، رقم(203).

[8] من الآية (101) من سورة المائدة.

[9]من الآية (97) من سورة آل عمران.

[10] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، بباب فرض الحج مرة في العمر(2/975)، رقم (1337).

[11] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، بباب فرض الحج مرة في العمر(2/975)، رقم (1337).