ما شروط التوبة؟ وهل لها ساعة معينة؟ وهل هي تُعمل بعد عمل صالح؟
- فتاوى
- 2022-03-11
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (12491) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: التوبة تجُبّ ما قبلها فما شروط التوبة؟ وهل لها ساعة معينة؟ وهل هي تُعمل بعد عمل صالح؟ وجّهونا.
الجواب:
ينبغي على الشخص ألا يسعى في هذه الحياة سعياً عشوائياً؛ بمعنى: إنه يترك شيئاً مما أوجب الله عليه، أو يفعل ما حرم الله عليه، ولا يُبالي بما ترك، ولا يُبالي بما فعل. وبعض الناس قد يسلك هذا المسلك ويستعمل التوبة؛ ولكنه يتوب بلسانه ولا يتوب بقلبه، ولا شك أن الشخص عرضه لوقوع بعض الأشياء الرسول ﷺ يقول: « لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيُغفر لهم »، والله -جل وعلا- يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[1] ويقول -جل وعلا-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[2]، ويقول -جل وعلا-: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[3]: ويقول -جل وعلا-: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}[4].
والشخص عندما يُعيد النظر في نفسه ويجد بعد إعادة هذا النظر أنه حصل منه مجاوزات فلابد أن ينظر في هذه المجاوزات قد تكون حقاً لله، وقد تكون حقاً لمخلوق، وإذا كانت حقاً من حقوق الله فقد يمكن تداركها وقد لا يمكن تداركها، وإذا كانت من حقوق الله ويتعذر عليه تداركها فإنه يتوب إلى الله -جل وعلا-.
أما إذا كانت من حقوق الخلق فإن حقوق الخلق منها ما يُمكن أن يعيده إلى صاحبه كما إذا غصب مالاً أو ما إلى ذلك؛ المهم بعض الحقوق يُمكن أن يعيد الحق إلى صاحبه فيعيدُ الحق إلى صاحبه.
أما إذا كان يتعذر أن يعيده لمانع من الموانع الشرعية التي تُسوغ له ذلك، فإن كان حقاً مالياً فإنه يتصدق به على نية صاحبه، فإن جاء صاحبه في يوم من الأيام فإنه يذكر له أنه تصدق به نيابة عنه فإن أجاز هذه الصدقة فالحمد لله، وإن لم يجزها فإنه يجعل الصدقة عن نفسه ويُعطي صاحب هذا المال ماله.
أما إذا كان اعتداءه على أحد الناس من ناحية الغيبة أو النميمة أو ما إلى ذلك، فإنه يحاول أنه يستحله، فإن تعذر عليه أن يستحله فإنه يدعو له بقدر ما يظن أنه وفّاه حقه.
أما بالنظر إلى شروط التوبة فهي: أن الشخص يكون عالماً بأن هذا ذنب، ويُقلع عن هذا الذنب، ويندم على هذا الفعل الذي فعله، ويعزم على ألا يعود إليه.
أما إذا كان من حق الله، أو من حق المخلوقين وأمكن تداركه أو لا يمكن تداركه، فقد مضى الكلام على ذلك.
وعلى الشخص أن يحاسب نفسه في الليل والنهار؛ بمعنى: إنه في آخر النهار يحاسب نفسه عما عمله في يومه، وبعد صلاة الفجر يحاسب نفسه عما فعله في ليله؛ لأن بعض الناس يكون ليله نهاراً ونهاره ليلاً؛ بمعنى: إنه يُحيي ليله بما يُريد وينام في النهار. وبعض الناس يأخذ بسنة الله الكونية يسعى في النهار لطلب الرزق وفي الليل ينام. وكل شخص على حسب حاله، والرسول ﷺ يقول: « إن الليل والنهار خزانتان فانظروا ماذا تضعون فيهما، فإذا جاء يوم القيامة فُتحت هذه الخزائن، فالمحسنون يجدون في خزائنهم الفرحة والسلامة، والمذنبون يجدون الحسرة والندامة ».
وليعلم الشخص أن أعماله تُعرض على الله -جل وعلا-، فهو -جل وعلا- يُرفع إليه عمل الليل بالنهار، وعمل النهار بالليل، وتُعرض عليه أعمال العباد يوم الإثنين ويوم الخميس؛ ولهذا كان الرسول ﷺ حريصاً على صيام الإثنين والخميس فسُئل عن ذلك فقال: « يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم » وعلى العبد أن يتقي الله في نفسه.
وليعلم -أيضاً- أن الله وكّل عليه ملكين من صلاة الفجر إلى صلاة العصر، وملكين من صلاة العصر إلى صلاة الفجر، أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره، الذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن يساره يكتب السيئات. والله تعالى- يقول: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}[5]، ويقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[6]، ويقول -جل وعلا-: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}[7]، ويقول -جل وعلا-: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)}[8].
فإذن إذا عُرضت أعمالك على الله وهي قبيحة وجحدت فكما سمعت يقول -جل وعلا-: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[9]، فسمعك، وبصرك، وجلدك، ويدك، ورجلك كلهم يشهدون عليك، وفوق ذلك كله الأرض تشهد بما عملت عليها؛ كما قال -جل وعلا-: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[10]. وبالله التوفيق.