حكم القطيعة بين الأقارب بسبب الخلاف في الإرث
- فتاوى
- 2021-12-13
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (3741) من المرسل ع. م. ن. ع، يقول: اختلف أبناء عم على تركة أبويهم، وبعد سنوات انتهت القضية بأحكامٍ شرعية ولله الحمد؛ ولكن الشيطان لعب دوراً في القطيعة، فلا يدخل أحدٌ منهم على الآخر، ولا يكلّم بعضهم بعضاً، ولا سلام ولا تحية حتى في الصلاة في المسجد، لا يُصلّي بعضهم مع الآخر، وإنما يقيم جماعةً أخرى، وهم على ذلك من سنوات، وقد تدخّل أهل الخير بينهم يريدون الإصلاح ولكن دون جدوى، نرجو أن تتفضلوا ببيان هل ذلك يعد من قطيعة الرحم، على أنهم أبناء عم، أم يعد هجراناً كبقية المسلمين إذا حصل منهم الهجران؟ ثانياً: أن تتفضلوا بإيضاح وبيان خطر ما هم فيه من قطيعةٍ أو هجران، حتى تصل إليهم -إن شاء الله- إجابتكم.
الجواب:
هذه القضية التي كانت سبباً في الفرقة بينهم، وصدور الحكم الشرعي في هذه القضية، فالحكم الشرعي فصل النزاع؛ ولكن العبرة -بواقع الأمر- من جهة من يستحق محل النزاع، فقد يكون أحد الخصمين قوياً في الحجة، وقد يأتي بشهود زورٍ، والقاضي يحكم بحسب ما يتوفر لديه من الحجة ووسائل الإثبات، ولهذا الرسول ﷺ قال: « إنكم تختصمون إليّ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قطعت له من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعةً من نارٍ »[1].
وقصة المتلاعنين في سورة النور لما انتهيا من اللعان، قال الرسول ﷺ: « الله يعلم أن أحدكما كاذبٌ ». وعرض عليهما التوبة، فلهذا قال: « فهل منكما تائبٍ ثلاثاً »[2]، أو كما قال ﷺ ؛ يعني: إنه رددها قالها ثلاث مرات، فحينئذٍ ليس حكم القاضي يحل حراماً ولا يحرّم حلالاً؛ وإنما يفصل النزاع، والعبرة بواقع الأمر، فواجبٌ على هذين المتخاصمين اللذين سئل عنهما أن ينظرا في الأمر نظرةً فاحصة؛ لأن الحق إذا لم يؤخذ في الدنيا، فإنه سيؤخذ في الآخرة، فالمظالم ترد يوم القيامة.
أما من جهة الآثار المترتبة التي حصلت بسبب الخصومة، فواجبٌ عليهما أن يرجعا إلى الحق، وإلى العدل، وإلى ما تقتضيه الشريعة، فالرسول ﷺ قال: « لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ ». فهذا فيه هجرٌ من جهة، وفيه قطيعةٌ من جهةٍ أخرى. فإذا كان الشخص لا يرد السلام على من سلّم عليه، فالمسلم مأجورٌ، والذي لا يرد السلام آثم. فهؤلاء الأشخاص مع مرور الزمن وهذه المعاملة من بعضهم لبعض، يتحمّلون آثاماً من مرور الزمن، وقد يكون هذا العمل سبباً لمحق بركة العمر. ومحق بركة العمر ألا يوفّق الشخص بالإتيان بالأعمال الصالحة.
ومن جهة الآخرة قد يُعاقب الإنسان إن لم يعفُ الله عنه، هذا بالنظر إلى حق الله؛ لأنهم لم يمتثلوا أمر الله، ولم يمتثلوا أمر رسوله ﷺ. ومن جهة هؤلاء الأشخاص فمن المعلوم أن الخصومة تٌقام بينهم يوم القيامة، والله -تعالى- يقول: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا "[3]، ويقول: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"[4]، ويقول -تعالى-: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) "[5]. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم (9/69)، رقم (7168)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب الحكم بالظاهر واللحن في الحجة (3/1337)، رقم(1713)، واللفظ له.
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب صداق الملاعنة (7/55)، رقم (5311)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها (2/1132)، رقم(1493).