هناك من يقول: لا تردّوا على أهل البدع لأنكم ستفرّقون كلمة المسلمين وأئمة المسلمين لم يردُّوا على أحد إنما كانوا ينشرون العلم
- فتاوى
- 2022-02-08
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (10898) من المرسل ج.ص.م، يقول: هناك من يقول: لا تردّوا على أهل البدع لأنكم ستفرّقون كلمة المسلمين. ويقول: أئمة المسلمين لم يردُّوا على أحد إنما كانوا ينشرون العلم فقط، فهل هذا صحيح؟ وهل هناك نماذج من ردود أهل السنة على أهل البدع قديماً وحديثاً أحسن الله إليكم؟
الجواب:
الرسول ﷺ ذكر افتراق اليهود والنصارى، وذكر أن هذه الأمة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ». هذه هي الفرقة الناجية.
ونشأت كثير من الفرق الضالة التي على الساحة موجودة في كتب التاريخ، وموجودة في كتب العقائد، وتدرس في الجامعات؛ وبخاصةٍ الجامعات التي تعتني بتدريس العقائد؛ هذا كله موجود والمؤلفات في هذا أيضاً كثيرة، ومن أحسن ما آُلف في هذا الباب هو كتاب الاعتصام للشاطبي؛ فإن هذا يُعتبر من أحسن الكتب التي اُلفت في بيان الفرق بين السنة وبين البدعة. وتطرق إلى أقسام البدع وأحكامها وما إلى ذلك؛ وكذلك فيه كتاب اسمه البدعة، يقع تقريباً في تسعمائة صفحة، وكتاب الإبداع في مضار الابتداع وكتاب السنن والمبتدعات؛ إلى غير ذلك. والكتب التي ألفت في الردود على المذاهب التي انحرفت مثل الجهمية والمعتزلة والقدرية إلى غير ذلك من فرق الضلال؛ مثل كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، والملل والنحل للشهرستاني، والفِصل لابن حزم، وغير ذلك من الكتب.
لكن السائل الظاهر أنه لا يدري عن المؤلفات؛ وكذلك الذي قال له هذا الكلام.
ومما يؤسف له أنه يوجد نوعٌ في الساحة العليمة يتكلمون في أمور الدين والشخص منهم قد لا يحسن الصلاة؛ لكن يتكلم في أصول هذه الشريعة، ويتكلم في فروعها، ويتخبط فيها فيحرّم من غير بصيرة، ويحلّل من غير بصيرة، وقد ينالُ من العلماء الموجودين، وقد ينالُ من العلماء الذين توفاهم الله وخدموا هذا الإسلام، ولو حققت معه لوجدت أنه ليس عنده علم؛ وإنما كلامه مبني على ناحية فكرية؛ لأن الكلام قد يكون علمياً، وقد يكون فكرياً، فإذا كان مستمداً من العلم بصرف النظر عن عين العلم مثل شخصٍ يريد أن يتكلم عن القرآن، يتكلم عن السنة، يتكلم عن أصول الفقه، عن قواعد الفقه، عن مقاصد الشريعة، يتكلم عن اللغة من جهة النحو، أو من جهة التصريف، أو من جهة الاشتقاق، أو من جهة فقه اللغة، أو من جهة علم البلاغة -لا بد أن يكون متمكناً من عين هذا العلم حتى يكون الكلام الذي يقوله مستمداً استمداداً علمياً، فيه كثير الآن على الساحة وحتى في بعض وسائل الإعلام وبخاصةٍ الصحف تجد كثيراً من الناس يتكلم في أمور الشريعة ولكن قد يكون مهندساً مثلاً! وقد يكون درس التاريخ أو درس الجغرافيا أو ما إلى ذلك؛ فيكون بعيداً كل البعد عن أصول هذه الشريعة، ويتكلم فيها والله -سبحانه وتعالى- قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[1]، فلا يكون من أهل الذكر في الأمر الذي يتكلم فيه، ومع ذلك تجد أنه يدخل فيه ولا يتنبه إلى أن الملائكة يكتبون جميع ما يقوله، وأنه سيوقف بين يدي الله -جل وعلا- وأنه سيسأله عما يقوله؛ فلهذا عندما يأتي الإنسان إلى الله يوم القيامة فإنه يسأله لم فعلت؟ وكيف فعلت؟
فلم فعلت؟ هذا من جهة الغرض من جهة القصد، وكيف فعلت؟ هذا من جهة متابعة هذه الشريعة، فإذا كان قصده لوجه الله، وكانت متابعته للرسول ﷺ فإنه ينجو من هذا الموقف؛ أما إذا اختل الشرط الأول، أو اختل الشرط الثاني، أو اختل الشرطان -واختلال الشرطين هذا موجود بكثرة مع الأسف- فإن الله -سبحانه وتعالى- يُجازيه بما يستحق. وكذلك لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع ومنها: « عن علمه فيما عمل به ».
فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا-، وألا يقول إلا ما يكون صحيحاً؛ يعني: يتأكد منه قبل أن يتكلم به كما قال عمر -رضي الله عنه- : « تفقهوا قبل أن تُسودوا ». وكما قال -جل وعلا- في آخر سورة التوبة: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[2] وبالله التوفيق.