وقوع الخلاف بين العلماء، والرد على اتهام المتمسكين بالدين بأنهم وهابية
- الاجتهاد
- 2022-05-02
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1973) من المرسل ع. ب. ن، من العراق، يقول: في عصرنا الحاضر كثرت الخلافات وانتشرت البدع في كثيرٍ من الأقطار الإسلامية، وأنا شابٌ متمسك بكتاب الله وسنة رسوله، ويوجد عندنا بعض المبتدعين، أو المتبعين لهذه البدع، وإذا نصحناهم يقولون لنا أنتم وهابية أو وهابيون، ونحن لا ندري ماذا يقصدون بهذا، نرجو التوضيح لكي نرد عليهم.
الجواب:
أولاً: وجود الخلاف بين الناس من جهة الأقوال والأفعال والمقاصد، من الأمور الطبيعية وهذا لا يستنكر.
ثانياً: الخلاف في الأمور العلمية، هذا إن صدر من أهله المعتبرين فإن هذا لا يستنكر، فإن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال: « إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر »[1]، وهذا تقريرٌ لوجود عدم الكمال في الإنسان الذي يتصف بالصفة العلمية وينصب للفصل فيما بين الناس في الخصومات.
وظاهرة الاختلاف في المسائل العلمية موجودة في عصر الصحابة، وفي عصر التابعين، وأتباع التابعين، إلى يومنا هذا، ولكن الخلاف لا بد أن يكون صادراً من أهله المعتبرين، وإلا فإن الطرف الذي يكون مخالفاً وليس من أهل العلم المعتبرين لا ينظر إلى قوله ؛ لأنه لا يقول ذلك عن علمٍ، وقد تطرق العلماء القدامى في بيان طبقات الفقهاء، فذكروا أن منهم:
الطبقة الأولى: من يكون في درجة الاجتهاد المطلق كالأئمة الأربعة؛ أبو حنيفة ومالك والشافعي والإمام أحمد، وهؤلاء لا شك أن أقوالهم في علم الخلاف معتبرة.
والطبقة الثانية: المجتهدون في الفتوى، وهؤلاء أيضاً خلافهم معتبر.
والطبقة الثالثة: المجتهدون في المذهب، هؤلاء متقيدون في أصول إمامهم، قد تحصل منهم مخالفة في بعض المسائل، وهذا موجود في كتب العلم وخلاف هؤلاء أيضاً معتبر.
الطبقةٌ الرابعة: وهم جماعة التخريج، يعني يجتهدون في تخريج المسائل التي تجد على المسائل التي قال بها إمامهم، فهؤلاء وظيفتهم التطبيق فقط، وليس لهم قولٌ يستقلون به.
الطبقةٌ الخامسة: طبقة الترجيح، الذين يبينون القول الراجح بالنظر إلى المذهب، مذهب إمامهم فقط، وهؤلاء أيضاً ليس لهم قول يستقلون به، وإنما يتتبعون روايات الإمام ويتتبعون أدلته ويبينون القول الذي رجحه الدليل باعتبار قواعد الإمام. والأدلة التي استدل بها بناءً على القواعد.
الطبقةٌ السادسة : طبقة التصحيح، وهم الذين يقارنون بين ما ورد في المذهب من الظاهر والأظهر، والصحيح والأصح، والراجح والأرجح وما إلى ذلك، يعني يميزون الأقوال فيما بينها.
الطبقةٌ السابعةٌ: هم طبقة المقلدين الذين ينقلون الكلام فقط.
فالمقصود أن طبقة المجتهدين اجتهاداً مطلق، ومجتهد الفتوى، ومجتهد المذهب، هؤلاء أقوالهم تكون معتبرة، ومن عدا ذلك ، فإن كلامهم راجعٌ إلى قول إمامهم وقواعده وأدلته على حسب ما سبق وصفه إلا الطبقة الأخيرة، فهذه الطبقة هي طبقةٌ مقلدةٌ فقط ، وينقلون ما وجدوه في الكتب فقط، يقولون قال فلان، وقال فلان، ليس لهم خبرةٌ في القواعد ولا في الأدلة ولا في الموازنة بين الأقوال مطلقاً وليس عندهم قدرةٌ على التخريج.
ثالثاً: أن الأشخاص الذين ينتحلون مبادئ بعيدة عن الدين كل البعد، ولكنهم مرتزقة يريدون أن يستغلوا السذج من عامة الناس، يغرونهم ويبينون لهم أنهم أهل طريقة وأن هذه الطريقة سليمة، فيستغلون بذلك أبدانهم لقضاء حوائجهم الشخصية كتكليفهم بأعمال خاصة، ويستغلونهم من الناحية المالية، فيفرضون عليهم أموالاً يسلمونها لهم.
وقد سألني شخصٌ عن شيخ طريقته، يقول: إنه لا يأذن لمريديه للحج إلا بعد أن يقدموا خُمس ما يملكون من مال، وبعد ذلك يأذن لهم في الحج، وعندما يقدمون من الحج لا يجوز لهم أن يمروا على أهلهم إلا بعد المرور عليه، والسلام عليه وتسليمه هدية الحج وهي هديةٌ محددة، فهذا لا شك أنه من الضلال المبين ؛ لأنهم يقولون على الله بغير علم، هذا من جهة، ويظلمون الناس من جهة استغلالهم بدنياً واستغلالهم مالياً، وينسبون ذلك إلى أن هذا من دين الله جل وعلا وهو بريءٌ منه، دين الله جل وعلا بريءٌ من ذلك كله، ويندرج تحت هذا الكلام جميع مشائخ الطرق الذين لم يتمسكوا بالإسلام ، وإنما يضعون أموراً تحقق لهم مصالحهم على ما سبق تفصيله، ولهذا ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، قال الراوي: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة »، ولما ذكر ﷺ افتراق الأمم، افتراق اليهود والنصارى وهذه الأمة، قال: « كلها في النار إلا واحدة، قيل من يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي » .
فمن دعا إلى طريقة الرسول ﷺ فعلى الرأس والعين، أما من وضع طريقةً لنفسه وسماها باسمه، أو دعا لأغراضٍ سياسيةٍ يريد أن يعترض على ولي الأمر المسلم الذي يقوم بدين الله على وجهٍ صحيح ؛ لأن فيه بعض الأشخاص ينتسبون إلى مثل هذه الأشياء.
رابعاً : أن ما ذكره السائل من ناحية اتهامهم بأنهم وهابية، فهذه الكلمة هي كلمة يقصد بها تشويه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهذا الرجل في وقته نفع الله به في علميّ العقيدة والشريعة، دعا بقصده وبقوله وبفعله وبكفه؛ لأنه يطبق شريعة الله جل وعلا على نفسه قولاً وعملاً وكفاً وقصداً، ويدعو الناس إلى ذلك، محققاً قوله تعالى:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[2]، وقد نفع الله بدعوته في وقته ونفعها مستمرٌ إلى يومنا هذا، وقد توسعت دعوته وخرجت عن دائرة المملكة العربية السعودية في وقته، وتوسعت أكثر بعد وفاته، وهذا دليلٌ على أنه يدعو إلى الحق، إلى طريقة محمدٍ ﷺ، فمن اتهمه بأنه يدعو إلى غير الحق فقد كذب عليه، والله يتولى حسابه يوم القيامة.
خامساً: أن الشخص الذي يكون بصيراً في أمور الحلال والحرام، بإمكانه أن يحدد الأشخاص الذين يدخل معهم في المناقشات، ويكون مستواهم العلمي على حسب مستواه، إضافةً إلى دعوته إلى الله جل وعلا، يعني يدعو الناس إلى الله جل وعلا بقوله، وبفعله، وبنيته، وكذلك بكفه عن المحرمات مثلاً، أما من كان جاهلاً في أمور الشريعة، فقد بين الله جل وعلا الطريق الذي يسلكه في قوله تعالى:"فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"[3]، وبقوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)[4].
فعليه أن يتعلم من الناس الذين يثق في علمهم، كلٌ في حدود اختصاصه، فمن برع في علم السنة يتعلم عليه السنة، ومن برع في تفسير القرآن يتعلم عليه تفسير القرآن، وهكذا في سائر العلوم المختلفة.
وإن وقعت له واقعةٌ، يريد أن يسأل عنها ، فعليه أن يسأل أوثق من يتمكن من الاتصال به من أهل العلم، ويأخذ فتواه، ويعمل بها؛ لأن هذا هو حد استطاعته، وبالله التوفيق.
المذيع: تظنون يا فضيلة الشيخ أن الذين يطلقون على طريقة السلف التي انتهجها الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنها الطريقة الوهابية يريدون أن يقولوا أنها لا تعدو أن تكون طريقة من الطرق التي هم عليها؟ هل تظنهم يريدون هذا، أو يريدون أن يُشعروا متبع طريقة السلف بهذا؟
الشيخ: الشيء الذي أعرف أنا عن الموضوع هو: تشويه الطريقة، ولهذا بعضهم يسميها بالمذهب الخامس، يعني أنه خارجٌ عن المذاهب الأربعة ، وأنه لا يجوز أن يُتبع على طريقته ، ولا شك أن الذين يقولون هذه المقالة أنهم إما جهلة في دعوته ، أو أنهم حسدة، أو أن عقائدهم فاسدة ، ويريدون نزع الثقة به من نفوس الأشخاص الذين يريدون أن يكونوا تابعين لهم من أجل أن يتبعوهم، ومؤلفاته المتنوعة في علومٍ مختلفة صادقةٌ مصدقةٌ لهذا الكلام.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ(9/108)، رقم(7352).