المراد بالكتاب والسنة ومنزلتها
- السنة
- 2022-04-30
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (418) من المرسل السابق، يقول: ما المراد بالكتاب؟ وما المراد بالسنة؟ وما منزلتها؟
الجواب:
المراد بالكتاب هو القرآن، وهو كلام الله -جلّ وعلا-، حروفه ومعانيه، المنزل على رسول الله ﷺ، نزل به جبريل بلفظه وبمعناه، أوله (الحمد لله رب العالمين)، وآخره (من الجنة والناس)؛ هذا هو الكتاب.
وأما السنة؛ فالمراد بها ما ثبت عن رسول الله ﷺ من أقواله، ومن أفعاله، ومن تقريراته وما يتصل بذلك. وفيه معنى آخر للسنة، وهو سنة الخلفاء الراشدين؛ كما في قوله ﷺ: « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ».
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام هو أن سنة الرسول ﷺ بيانية من جهة، وتشريعية من جهة أخرى؛ لأنه ﷺ معصوم فيما يبلغه عن الله -جلّ وعلا-؛ وأما سنة الخلفاء الراشدين فهي سنة بيانية أيضاً؛ ولكن ليست بسنة تشريعية كسنة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- ولكنهم يبينون معاني القرآن ومعاني السنة، يجتهدون في بعض المسائل، والرسول -صلوات الله وسلامه عليه- سمّى ما يبدر عنهم من اجتهاد منهم سماه سنة لهم؛ ولكن هذا لا يعني أن ما يجتهدون فيه يكونون معصومين في ذلك؛ بمعنى: إنهم لا يخطئون؛ وهكذا العلماء من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين هم -أيضاً- يبينون القرآن ويبينون السنة، وقد يخطئ المجتهد وقد يصيب، فهو معذور في خطئه إذا أخطأ، ومأجور على اجتهاده، وإذا أصاب فهو -أيضاً- مأجور على اجتهاده من جهة، ومأجور على إصابته من جهة أخرى.
وأما العلاقة بين السنة وبين الكتاب؛ فإن السنة تكون مؤكدة للقرآن، وذلك لجميع ما ورد من السنة وهو موافق لما ورد في القرآن، فقد جاء في القرآن الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج، وغير ذلك من الأمور الشرعية، وجاء في السنة -أيضاً- الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج، وغير ذلك من الأمور الشرعية، فما اتفق فيه الكتاب والسنة يقال عن السنة في ذلك: إنها سنة مؤكدة للقرآن.
ومن السنة ما يكون بياناً للقرآن؛ كما في قوله تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ"[1].
فالسنة في هذا تكون ناسخة للقرآن، ومخصصة له، ومقيدة ومبينة للمجمل، ومفصلة ومبينة بأن المراد من الدليل الذي دل بظاهره على حكم تدل السنة على أن المقصود به التأويل؛ يعني: المعنى المرجوح.
وعلى هذا الأساس فالسنة تكون مبينة للقرآن بيان نسخ وتخصيص وتقييد، وبيان إجمال، وبيان تفصيل، وبيان تأويل إلى غير ذلك من الوجوه.
والغرض هو التنبيه على هذا النوع من العلاقة بين السنة والقرآن.
وفيه وجه آخر: وهو بيان السنه للقرآن من ناحية المعنى لا من ناحية اللفظ؛ يعني: من جهة مناط الحكم لا من جهة اللفظ؛ لأن ما سبق الكلام عليه هو بيان السنة للقرآن من جهة اللفظ، وهذا النوع هو بيان للسنة من جهة المعنى، ومن ذلك قوله ﷺ: « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها »؛ أي: إنه لا يجوز الجمع بينهما، وإذا نظرنا إلى المحرمات التي ذكرها الله في سورة النساء لم نجد ما دل عليه الدليل منها؛ ولكن إذا نظرنا إلى مناط التحريم فيما ذكر الله -جلّ وعلا- وجدنا أن مناط التحريم يكون من أجل الإكرام والاحترام والتقدير؛ كنكاح الأم، ونكاح البنت، ونكاح الأخت والعمة والخالة؛ يعني: إذا تزوجها؛ فهذا فيه امتهانٌ لها، فالله -جلّ وعلا- أكرمهن بتحريم النكاح، وهذا فيه تقدير واحترام لهن. وفيه أمر آخر وهو أن الزواج لا يخلو من حصول خلاف بين الزوجين قد يؤدي إلى انفصال الحياة الزوجية.
وعلى هذا الأساس إذا كانا قريبين، فإن انفصال الزواج بينهما يرِّتب مشاكل في المستقبل، ويرتب قطيعة بينهما. وإذا نظرنا إلى المناط الذي اشتمل عليه النهي وهو نهيه ﷺ عن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها -وجدنا أنه ينطبق عليه المناط؛ يعني: التعليل الثاني، وهو أنه إذا جمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها فقد يرتب هذا مشاكل وقطيعة فيما بينهما، وعلى هذا الأساس يكون هذا النوع من البيان هو بيان للقرآن من ناحية المعنى.
والحاصل مما سبق: أن العلاقة بين السنة والقرآن: إما أن تكون مؤكدة، وإما أن تكون مبينة بياناً لفظياً، وإما أن تكون مبينة بياناً معنوياً.
ومما يحسن التنبيه عليه: أن بعض العلماء قال في القسم الثالث: إنه زائد على القرآن، ولعل قائل هذا القول لم ينتبه إلى أن هذا يمكن أن يقال: إنه بيان للقرآن من ناحية المعنى؛ كما سبق الكلام عليه من جهة تحديد المناط في المحرمات، وتحديد المناط في هذا الحديث، ونظراً إلى أن وقت البرنامج ضيق أكتفي بهذا القدر. وبالله التوفيق.