هل الإنسان تمحى عنه ذنوبه كيوم ولدته أمه في حجة الفريضة
- الحج والعمرة
- 2021-04-27
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (15) من المرسلة السابقة، تقول: هل الإنسان تمحى عنه ذنوبه كيوم ولدته أمه في حجة الفريضة، أم في كل حجة يحجها؟
الجواب:
الرسول ﷺ بيَّن أن الحج إلى الحج والعمرة إلى العمرة والصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها، إذا اجتنبت الكبائر[1]، فالحج والعمرة ورمضان والصلوات الخمس مكفرات لما بينها إذا اجتنبت الكبائر، فحينئذٍ هي مكفرة للصغائر، والله -جل وعلا- قال: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}[2].
ومما يحسن توضيحه في المقام أن الله -جل وعلا- بيّن الطرق في ذلك، فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[3]، وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين؛ يعني أن الإنسان إذا أغرق في المعاصي من الزنا وشرب الخمر وغير ذلك من المحرمات، وتاب يعني أتى بالتوبة على الوجه المشروع؛ وذلك أن التوبة لها شروط إذا كانت من حقوق الله، ولها شروط إذا كانت من حقوق المخلوق.
فإذا كانت من حقوق الله فلا بد أن الشخص يندم على فعله، ولا بد أن يعزم على عدم العودة، ولا بد أن يقر بذنبه الذي عمله، هذه شروط ثلاثة بالنظر إلى حق الله.
وبالنظر إلى حق المخلوق هذه الشروط الثلاثة ويضاف إليها شرط آخر وهو أن الحق إذا كان مالياً فإنه يعيده إلى صاحبه، وإذا لم يكن حقا ماليا، فإنه يستبيح صاحبه إن أمكن، وإن لم يتمكن فإنه يدعو له ويتصدق عنه؛ رجاء أن يمحو الله I ذلك عنه. هذا في التوبة وتأثيرها.
أما الإنسان الذي يعمل المعاصي ويستمر عليها، فإن الصلوات الخمس لا تكفرها، وكذلك رمضان، وكذلك إلى آخره، هذه لا يكفرها يعني هذه الأمور لا تكفرها إلا التوبة، فإذا مات الإنسان عليها فإنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وهذا هو المقصود بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[4]، فهذه الآية أيضا هي في غير التائبين.
أما الآية الأولى فهي قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[5].
فالحاصل من هذا الكلام كله ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن صغائر الذنوب يكفرها الحج والعمرة والصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان؛ لبيان الرسول ﷺ لذلك.
الأمر الثاني: أن الإنسان إذا فعل شيئاً من كبائر الذنوب وتاب يعني أتى بالتوبة بشروطها التي سبق ذكرها، فإن الله يتوب عليه، وعلى هذا يدل قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[6].
الأمر الثالث: أن الشخص يفعل كبائر الذنوب ويموت عليها من غير توبة يزني ويشرب الخمر وما إلى ذلك، ففي هذه الحال هو تحت مشيئة الله -جل وعلا- إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وعلى هذا يدل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [7].
[1] ينظر: ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب وجوب العمرة وفضلها (3/2)، رقم (1773)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر (1/209)، رقم(233)، وكتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (2/983)، رقم(1349).