ما معنى قوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}؟
- التفسير
- 2022-01-10
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (8944) من المرسل السابق، يقول: ما معنى قوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}[1]؟
الجواب:
الله -سبحانه وتعالى- أول ما خلق القلم، فقال له: « اكتب »، قال: ما أكتب؟ فأمره الله -سبحانه وتعالى- « أن يكتب بما هو كائن إلى يوم القيامة »، وهذه كتابة في اللوح المحفوظ.
وبعد ذلك من ناحية علاقة الناس بهذا الأمر المكتوب في اللوح المحفوظ، الله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق، وقدَّر مقادير كلِّ شيء، ومن ذلك الآجال؛ يعني: من الناحية الزمنية، فيه تقدير في الكم، وتقدير من ناحية الكيف، وتقدير من ناحية المكان، تقدير من ناحية الزمان إلى غير ذلك من وجوه التقدير.
فقوله -جل وعلا-: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ؛ يعني: أن ما يجري في هذا الكون، إنما هو حسب تقدير الله -جل وعلا- وحسب علمه.
والعبد عندما يفعل الشيء هو لا يكون مجبراً على فعله، ولكن الله -سبحانه وتعالى- قدَّر أنَّ هذا العبد يفعل هذا الفعل، وعلم أن هذا العبد يفعل هذا الفعل، ففيه تطابق بين فعل المكلف من جهة، وبين علم الله وتقديره من جهة أخرى، ولهذا يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[2]، ويقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}[3]، ولهذا الرسول ﷺ قال: « لن يدخل أحد الجنة بعمله »، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: « حتى أنا، إلَّا أن يتغمدني الله برحمته »، وفي آخر سورة الزمر: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)}[4]، وفي سورة الملك يقول -جل وعلا-: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)}[5]، فالله -سبحانه وتعالى- يدخل أهل الجنة بفضله، ويدخل أهل النار بعدله بسبب ما عملوه، ولا فرق بين من يدخلها مؤبداً كما يقول -جل وعلا-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[6]، وكما قال في فرعون وقومه: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)}[7]، وفرعون وقومه يُعرضون على النار غُدواً وعشيّاً، وهذا بسبب ما حصل منهم من المخالفات، ولهذا فرعون ادعى الربوبية، ويقول: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}[8]، ويقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[9] إلى غير ذلك.
والمهم هو التنبه إلى العلاقة بين فعل المكلف وبين تقدير الله وعلمه؛ لأن فيه من يقول: إن العبد مجبرٌ على هذا الفعل، لكن هو في الحقيقة من أقدم باختياره أو هو الذي ترك باختياره، ولكن هذا الأمر الذي أقدم عليه باختياره هو معلومٌ لله -جل وعلا- ومقدرٌ وقوعه من هذا الشخص في هذا المكان وفي هذا الوقت، وهكذا بالنظر للمخالفات التي تحصل من العبد؛ يعني: النواهي مثل الزنا، وشرب الخمر، وغير ذلك من المخالفات،هذه يقدم عليها الإنسان باختياره، والله -سبحانه وتعالى- عالمٌ أن هذا العبد سيفعل هذا الفعل في هذا الوقت وهو مطابقٌ لما في اللوح المحفوظ، فالله -سبحانه وتعالى- لم يجبر أحداً من خلقه ولكن العبد يختار طريق الهدى أو طريق الضلال، وبالله التوفيق.