Loader
منذ سنتين

نريد رفع الهمم عندنا لحفظ الكتاب وطلب العلم


  • فتاوى
  • 2022-02-08
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (10978) من مرسلين طلبة العلم، يقولون: نريد رفع الهمم عندنا لحفظ الكتاب وطلب العلم؛ حيث يعترينا فتور في بعض الأحيان.

 الجواب:

        لا شك أن كتاب الله -جلّ وعلا- هو أصل التشريع، وأن السنة مبينة للقرآن، وبناء على ذلك فإن عناية الشخص بحفظ القرآن لا تكفي؛ بل عليه أن يجمع بين الفهم والحفظ، يكون الفهم سابقاً والحفظ لاحقاً.

        وفيه طريقة بإمكان الشخص الذي يرغب بحفظ القرآن أن يسلكها، وهذه الطريقة هي:

        أن يحدد الآيات التي تدل على موضوع واحد، فإذا نظرنا إلى سورة البقرة وجدنا أنها تشتمل على جملة من الموضوعات، فإذا نظرنا إلى افتتاحيتها وجدنا الآيات الأربع الأُول في المؤمنين، والآيتين بعدها في الكافرين، وثلاث عشرة آية في المنافقين، فيحدد الآيات التي تدل على موضوع واحد، وفيه كثير من كتب التفسير سلكوا هذا المسلك؛ بمعنى: يذكر الآيات التي تدل على موضوع واحد ويفسّرها.

        بعد تحديد آيات الموضوع، هذه الآيات تشتمل على مفردات لغوية وشرعية، فلا بدّ أن يعرف معاني هذه الكلمات من الناحية اللغوية ومن الناحية الشرعية.

        هذه الآيات قد تكون نزلت ابتداء؛ أي: ليس لها سبب، أو أنها مقرونة بسبب؛ كما ورد في القرآن من الأسئلة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}[1]، وغير ذلك من الآيات المشتملة على الأسئلة. فالسؤال -هنا- هو سبب النزول. وقد تكون الآية لها سبب النزول لكنه لم يذكر. وفيه كتب ألفت في أسباب النزول؛ مثل: المحرر في أسباب النزول، وكتاب لباب النقول في أسباب النزول. وفيه كتب كثيرة ألفت في أسباب النزول، فلا بدّ أن يكون عند الشخص علم بأن هذه الآيات نزلت ابتداء دون سبب، أو لها سبب مذكور معها، أو لها سبب لم يذكر؛ لكنه مدوّن في كتب أسباب النزول فيطلع على هذا السبب؛ لأن كتب أسباب النزول مرتبة على سور القرآن.

        ثم بعد ذلك ينظر في هذه الآيات هل دخلها نسخ أم أنها محكمة، يتأكد من ذلك.

        ثم بعد ذلك يفهم هذه الآيات على حسب علامات الوقف؛ لأن علامات الوقف موضوعة حسب المعنى.

        ثم بعد ذلك يفهم المعنى العام لهذه الآيات، وبعد ذلك يستنتج ما اشتملت عليه هذه الآيات من الأحكام، ثم بعد ذلك ينظر في هذه الآيات هل يوجد فيها لفظ له لفظ آخر يشتبه به؛ كما في قوله -تعالى- في سورة البقرة: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}[2] وقوله في سورة المائدة والنحل: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}[3]، فكلمة (به) مقدمة في سورة البقرة، ومؤخرة في سورة المائدة والنحل. وفيه كتاب اسمه دليل الآيات المتشابهات، وفيه كتب اعتنت بالمتشابه اللفظي، وبعد ذلك ينظر في الآيات هل فيها شيء مشكل؛ لأن فيه كتباً اعتنت بالمشكلات في القرآن، فمثلاً في قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[4] مع قوله -تعالى-: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}[5].

        فإذا نظرنا إلى الآية الأولى وجدنا أنها تثبت السؤال، وإذا نظرنا إلى الآية الثانية وجدنا أنها تنفي السؤال، فيحصل إشكال عند طالب العلم. وفيه كتب لها عناية بهذا الجانب منها: باهر البرهان في متشابه القرآن، وكتاب درة التنزيل وغرة التأويل في متشابه التنزيل، ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب إلى غير ذلك. والذي اطلعت عليه يزيد عن عشرين كتاباً في هذا المجال.

        فيتأكد من سلامة هذه الآيات من المتشابه اللفظي، وسلامتها من المتشابه المعنوي. وإذا وجد فيها متشابه فإنه يحدده.

        وبعد جميع هذه المرحل بإمكانه أن يحفظ الآيات يكررها خمسين مرة، ستين مرة، ثم يتعاهدها يومياً.

        هذه هي الطريقة المثلى من أجل الجمع بين فهم القرآن أولاً ثم حفظه ثانياً؛ لأن كثيراً من الجهات التي تعتني بتحفيظ القرآن تعتني بحفظه دون فهم معناه، وهذا الكلام الذي ذكرته من جهة المراحل يصلح للناس الذين يستطيعون معرفة هذه المراحل. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (189) من سورة البقرة.

[2] من الآية (173) من سورة البقرة.

[3] من الآية (3) من سورة المائدة.

[4] الآية (6) من سورة الأعراف.

[5] الآية (39) من سورة الرحمن.