Loader
منذ سنتين

هل زراعة الشعر للرجل الأصلع تعد من الوصل المنهي عنه؟


الفتوى رقم (4711) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: قال رسول الله ﷺ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: « ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء »[1]، والسؤال عن الصلع، هل يمكن زراعة الشعر؟ حيث وجد من الأطباء من يقول: إنا نزرع لك شعراً في الرأس يدوم أكثر من خمسٍ وعشرين سنة، فهل يجوز ذلك أم يُعد من الوصل الذي هو للنساء؟

الجواب:

        قول الرسول ﷺ: « ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاءً » الحديث، هذا فيه بيان ترتيب المسببات على الأسباب، فذكر الأمراض بصيغة النكرة في سياق النفي « ما أنزل الله داءً » نكرة يشمل جميع الأمراض؛ لأن النكرة في سياق النفي تكون عامةً، وذكر أيضاً قاعدة في العلاج، وهي نكرة أيضاً « إلا جعل الله له شفاءً »؛ لكن هذه النكرة ليست كالنكرة الأولى من جهة أن النكرة الأولى في سياق النفي و هذه نكرة في سياق الإثبات.

        والنكرة في سياق الإثبات تكون من باب المطلق، وعموم النكرة الأولى عمومٌ شمولي، وعموم النكرة الثانية عمومٌ بدلي، فالنكرة في سياق الإثبات تكون من باب المطلق إلا إذا كانت في سياق الامتنان كما في قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[2]، فإذا كانت في سياق الإثبات للامتنان فإنها تكون عامة.

        والله -سبحانه وتعالى- لم يذكر الأسباب هنا، بل ذكر الأمراض، وأنه هو الذي ينزلِّها، وذكر أن الشفاء «إلا أنزل له شفاء »، فالشفاء بيده، ولكن الشفاء يكون باستعمال الأسباب، فقوله: « إلا أنزل له شفاءً »، يعني أنزل الأسباب أوجدها، ولهذا الداء من الله جل وعلا، والدواء من الله جل وعلا، والطبيب يبين أن هذا الدواء علاجٌ لهذا المرض يعني رجل جُعل الدواء على يده.

        فالأسباب بيد الله -جل وعلا- وترتيب المسببات على هذه الأسباب بيد الله -جل وعلا- فما شاء الله من المسببات أن يترتب على سببه ترتّب، وما لم يشأ الله من المسببات ألاّ يترتب على سببه فإنه يستعمل السبب، ولكن لا يحصل الشفاء؛ لأن الله لم يكتب الشفاء.

        ولهذا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى هذه الناحية من جهة أن ترتيب المسببات على الأسباب راجعٌ إلى الله جل وعلا، وأن الشيء الذي على العبد هو أن يعمل المسببات.

        وبناءً على ذلك فإن الصلع داء، وعندما يوجد من يزرع شعراً بحيث أن الشعر يعود طبيعياً، فيكون هذا من أسباب الشفاء، فيكون هذا من أفراد الشفاء التي جاءت في آخر الحديث، ويكون هذا الطبيب يستخدم السبب بحيث أن الله فتح عليه وجعله يعلم هذا السبب الذي إذا استخدم زال هذا الداء وحل محله الشفاء، وهكذا في استعمال الأسباب إلا أنه ينبغي التنبه على أنه لا ينبغي للإنسان أن يستعمل الأسباب المحرمة، ولهذا يقول الرسول ﷺ: « عباد الله تداووا، ولا تتداووا بحرام، فإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها »، فلا يجوز للإنسان أن يستعمل أسباباً محرمة؛ لأن قاعدة الشريعة هي أن الأسباب المشروعة ينتج عنها آثارٌ مشروعة، والأسباب الغير المشروعة ينتج عنها آثاراً غير مشروعة ولا يرتب على الأسباب الغير المشروعة لا يرتب عليها أمور مشروعة؛ بمعنى: أن الشخص لا يستخدم السبب الذي ليس بمشروعٍ من أجل أن ينتج منه مصلحةٌ له إلا إذا دل دليلٌ شرعيٌ على جواز ترتب المسببات
-الآثار- غير المشروعة على سببٍ غير مشروع؛ كما في قوله ﷺ: « الولد للفراش، وللعاهر الحجر ». وبالله التوفيق.



[1] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الطب، باب ما جاء في الدواء والحث عليه (4/383)، رقم(2038).

[2] الآية (68) من سورة الرحمن.