نصيحة كيف يستمر المسلم على الطاعة في رمضان وفي غير رمضان؟
- الصيام
- 2022-02-12
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (11444) أسئلة كثيرة حول من يستمر على الطاعة في شهر رمضان وينشط، ثم بعد شهر رمضان يفتر، وبعضهم ربما فرط في الصلاة، هل من نصيحة توجهونها لهم كيف يستمر المسلم على الطاعة في رمضان وفي غير رمضان؟
الجواب:
يقول -جلّ وعلا-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)}[1]، ويقول: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}[2]، ويقول: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}[3]، ويقول: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[4]. ويقول -تعالى-: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}[5].
الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان وكلفّه عندما توجد فيه علامة من علامات التكليف، وكلفه بأمور واجبة عليه: واجب يجب في العمر وهو الحج أو العمرة، وواجب سنوي مثل شهر رمضان، وواجب أسبوعي مثل صلاة الجمعة، وواجب يومي وهو الصلوات الخمس، وواجب عليه حقوق للآدميين مثل حق الزوجة والأبناء؛ وكذلك الحقوق الواجبة في ذمته للناس؛ هذا من جانب.
وجانب آخر وهو جانب التطوع؛ يعني: يعمل أموراً ليست واجبة عليه؛ مثل: صيام التطوع، وصلاة التطوع، ومن يجعل لنفسه ورداً يومياً يقرؤه من القرآن أو ما إلى ذلك. والناس يختلفون من جهة الكمية ومن جهة الكيفية التي يؤدونها، وبعض الناس يكون عنده نزعة رغبة في وقت، ويكون عنده انصراف قوي في وقت آخر حتى عن الواجبات. فبعض الناس يكون تاركاً للصلاة مطلقاً، فإذا جاء رمضان حافظ على الصلوات، وحافظ على صلاة التراويح، وقد يأتي لصلاة القيام؛ ولكن عندما يخرج رمضان ينصرف إلى ما كان عليه قبل دخول شهر رمضان؛ فهذا لا يعرف ربه إلا في شهر رمضان.
فإذا كان يرجع إلى حالته قبل رمضان لا يصلّي، فهذا لا شك أن صيامه مردود عليه؛ وكذلك الصلاة التي صلاها؛ لأنه عقد العزم في بداية الشهر أنه يحافظ على الصلاة والصيام وإذا خرج الشهر يرجع إلى حالته.
والواجب على الشخص أنه يؤدي الواجبات التي عليه؛ لأن الله وكّل أربعة ملائكة خلال أربع وعشرين ساعة: ملكان من صلاة الفجر إلى صلاة العصر، وملكان من صلاة العصر إلى صلاة الفجر يكتبان السيئات والحسنات، فالذي على يمينه يكتب الحسنات، والذي على يساره يكتب السيئات. فأنت تملي في أقوالك وأفعالك على هذين الملكين، فما عملت من حسنة كتبت، وما عملت من سيئة كتبت. هذه الأعمال تعرض على الله يوم الإثنين ويوم الخميس، فهل تحب أن يعرض عملك على الله يعِرض الله عنه؟ أو أنك تحب أن يعرض عملك على الله وتكون من المقربين عند الله لا المعَرض عنهم؟ لأنك إذا أعرضت عن الله يعرض الله عنك.
والعلاقة التي بينك وبين الله هي بمقدار ما تؤديه من امتثال لأوامر الله واجتناب لنواهيه؛ فبحسب قوتك في امتثال الأوامر فعلاً وفي باب النواهي تركاً يزداد قربك إلى الله -جلّ وعلا-، وإذا كان عندك نزول عن هذا المستوى، فإن منزلتك تنزل عند الله -جلّ وعلا-؛ كما قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: « ما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به إلى آخره ».
الإنسان يحتاج إلى أن يعيد النظر إلى نفسه وينظر إلى ما الذي يمليه على الملائكة، هل يملي عليهم خيراً؟ أم أنه يملي عليهم سوءاً؟
هذه الأعمال إذا جاء يوم القيامة، يقال لك: اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً.
فجميع الأعمال التي عملتها في الدنيا من قبيحة أو حسنة، مرصودة، ويقال لك: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[6]، ولهذا جاء في الحديث: « ما من أحد يوم القيامة إلا ويندم، المحسن يندم على أنه لم يكثر من الإحسان, والمسيء يندم على ما قدمه من إساءة »، ولهذا يقول الله جل وعلا: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا}[7].
فالإنسان ما دام في زمن الإمكان عليه أن يسعى إلى نجاة نفسه بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، ويتزود من الطاعات؛ لأنها راجعة إليه. يقول الله في الحديث القدسي: « يا عبادي، إنها أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ». وبالله التوفيق.