هل المؤمن التقي في هذا الزمن أكثر أجراً من الرجل المؤمن التقي في عهد الرسول ﷺ؟
- قاعدة التفاضل في الشريعة
- 2021-12-12
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (3616) من المرسل السابق، يقول: سمعت أن الرجل المؤمن التقي في هذا الزمن أكثر أجراً من الرجل المؤمن التقي في عهد الرسول ﷺ، هل هذا صحيح، وما سبب ذلك؟
الجواب:
قاعدة التفاضل في الشريعة بين الأمكنة، وبين الأزمنة، وبين الأشخاص بحسب ما فضلهم الله به، وكذلك التفاضل بين الأحوال، والتفاضل بين الأعمال، والتفاضل بين العاملين لهذه الأعمال، هذه قاعدة من القواعد المقررة في الشريعة، ومن أحسن من تعرض لها ابن القيم في كتابه زاد المعاد، عندما تكلم على قوله تعالى: "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ"[1] فإنه تكلم على هذه الآية، واستطرد مبيناً درجات التفاضل بين أمورٍ كثيرةٍ ذكرها.
وكذلك القرافي عقد فرقاً في هذا الموضوع في كتابه الفروق، وكتب جملةً من القواعد التي يتطرق لها الإنسان في حياته. وتوسع في هذا المقام العز بن عبد السلام في كتابه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، فإنه ذكر هذا الموضوع في جملة، أو في عددٍ كثيرٍ من المواضع في كتابه، وكذلك عُلماء الحديث ذكروا كتاباً خاصاً في الفضائل؛ كالبخاري وغيره من المحدثين.
وكذلك معاجم الحديث، مثل: كتاب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، وهذا يعتبر ترتيباً لكتاب الجامع الكبير للسيوطي، فإن صاحب كنز العمال رتّبه، وكذلك جامع الأصول من أحاديث الرسول ﷺ. وقصدي من هذا التوسع النسبي في هذا الجواب هو أنه ينبغي للشخص أن يوسع النظر عندما يبحث في التفاضل، ولا يحصر نظره في زاوية معينة.
أما المقارنة بين الصحابة وبين من كان في هذا العصر، فالرسول ﷺ قال في شأن أصحابه: « لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه »[2]. ويقول في وصف أبي بكرٍ -رضي الله عنه-: « لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح »[3]. ويقول في وصف عمر -رضي الله عنه-: « لو سلك ابن الخطاب وادياً لسلك الشيطان وادياً آخر ».
ولا شك أن كلّ فردٍ من أفراد الصحابة له خصوصية الصحبة، وهذه لا يشاركه فيها أحدٌ ممن جاء بعد الصحابة.
وأما التفاضل بين الصحابة وبين من بعدهم من ناحية الأعمال: فإن تقدير ذلك راجعٌ إلى الله -سبحانه وتعالى- ؛ لأنه هو العالم بحقيقة ما يصدر من الناس من أقوال، وأفعالٍ، ومقاصد وما يحيط بهذه الأعمال والأقوال، وما يحيط بها من قوةٍ أو ضعفٍ، وما يحيط بها من إخلاصٍ أو شائبةٍ. وينبغي للمسلم أن يعمل لله، وأن يتقن أعماله على الوجه الذي يرضي الله، ولا ينبغي له أن ينظر في مسألة هل عمله أفضل من عمل الصحابة، أو ليس بأفضل؛ لأن هذا من ناحية التقدير الواقعي يرجع إلى الله -جلّ وعلا-. وبالله التوفيق.
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب قول النبي ﷺ: لو كنت متخذاً خليلاً (5/8)، رقم(3673)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب تحريم سب الصحابة y (4/1967)، رقم(2540).