هل من مفهوم الوسطية معاداة من يخالف مبادئ الإسلام والتشهير بهم؟
- الوسطية
- 2022-02-11
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (11254) من المرسل ن. ع، يقول: هل من مفهوم الوسطية معاداة من يخالف مبادئ الإسلام والتشهير بهم؟ وكيف يُتعامل معهم في مقابل مخالفتهم للأمور الشرعية؟
الجواب:
يقول الله -جلّ وعلا-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[1]. هذه الآية يقصد منها أن الله -سبحانه وتعالى- شرع لهذه لأمة محمد ﷺ شريعة كاملة؛ كما قال -جلّ وعلا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[2].
وبناء على ذلك: فهذه الشريعة من صفاتها الكمال، والعموم، والثبات، والعدل. والعدل هو الوسطية، ومعنى الوسطية: أنك في باب الأمر لا تسلك مسلك الإفراط في الفهم والتطبيق، ولا تسلك مسلك التفريط في الفهم والتطبيق؛ وهكذا بالنظر إلى باب النهي، فلا تسلك مسلك الإفراط في فهم النهي والتطبيق، ولا تسلك مسلك التفريط في فهمه أيضاً.
ولهذا نجد أن الناس في باب فهم الشريعة منهم من سلك مسلك الإفراط، وهو الغلو والزيادة إلى درجة أنهم يعبدون الله لكن بما لم يشرعه، فيتوغلون في زيادة العبادة ويستدلون بأدلة لكنها لا تنفعهم.
ويندرج في هذا الصوفية. وفيه من يسلك مسلك التفريط؛ بمعنى: إنهم يعرضون عن تطبيق الأوامر كلياً، أو لا يطبقونها في بعض الأمور. وقد يكون هذا على مستوى الدولة، وقد يكون على مستوى الأسرة، وقد يكون على مستوى الفرد؛ فالتفريط وارد على الأفراد وعلى الجماعات.
وبناء على ذلك كله: فإن الشخص عندما يريد أن يحقق الوسطية، لا بدّ أن تكون عنده القدرة الكافية على الفهم السليم لأدلة التشريع، ولهذا في قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}[3].
هذه الآية إذا أخذها الإنسان على أنها نفي لعدم وقوع ذلك على المسلمين من الكفار يجد أن الواقع يختلف عن ذلك، فيقول: كيف يقول الله هذا الكلام؟ ومع ذلك نجد أن كثيراً من الكفار يكون لهم سبيل على المسلمين ، والنبي ﷺ: قال: « يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها »، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: « بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن »، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: « حب الدنيا وكراهية الموت ». هذا إذا أخذنا الآية على هذا الوجه.
وإذا أخذنا هذه الآية في قوله: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}[4]؛ يعني: إن الله -سبحانه وتعالى- لا يجعل الكفر يطغى على المسلمين في الأرض، ولهذا الرسول ﷺ حينما سأل ربه ثلاثة أسئلة لهذه الأمة، منها: « ألا يسلّط عليهم -يعني على جميعهم - عدواً من سوى أنفسهم » فأجابه الله لذلك. وسأله الثالثة: « وألا يجعل بأسهم بينهم » فمنع الله الإجابة عنه. والله -سبحانه وتعالى- حكيم عليم لا يسأل عما يفعل.
وعلى هذا الأساس: فالشخص ينظر في نفسه هو، فإذا كان مستقيماً مطبقاً للأوامر وللنواهي حسب مراد الله، ومطبقاً لسنة الرسول ﷺ على حسب مراد الرسول ﷺ، فيكون قد سلك الوسطية؛ أما إذا زاد أو نقص، فإذا زاد يكون قد سلك مسلك الإفراط، وإذا نقص يكون سلك مسلك التفريط. وبالله التوفيق.