Loader
منذ 3 سنوات

الفرق بين الاجتهاد والقياس، وشروط كل منهما


  • فتاوى
  • 2021-09-23
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1725) من المرسل السابق، يقول: ما الفرق بين الاجتهاد وبين القياس؟ وهل يُشترط في القياس ما يشترط في الاجتهاد؟ نريد منكم مثالاً في الاجتهاد، ومثالاً في القياس.

الجواب:

الاجتهاد من جهة المدلول اللغوي هو: بذل الوسع، ومحله يختلف باختلاف المواضع، ففي كلّ موضعٍ بحسبه.

وأما من جهة تعريف الاجتهاد في اصطلاح العلماء فإنه: عبارة عن بذل الوسع من أجل الوصول إلى أمرٍ شرعي؛ سواءٌ كان هذا الأمر من ناحية الإثبات، أو كان هذا من ناحية النفي.

        والاجتهاد يختلف باختلاف مواضعه من الناحية الشرعية، ويختلف -أيضاً- باختلاف الأسباب الداعية إليه؛ فقد يكون الاجتهاد في مسألةٍ من المسائل، وقد يكون الاجتهاد في بابٍ من الأبواب، وقد يكون في علم من العلوم، وقد يكون الاجتهاد عاماً؛ بمعنى: إن الشخص يكون مجتهداً في سائر العلوم الشرعية. ولهذا الاجتهاد له تقسيماتً باعتباراتٍ مختلفة لا يتسع هذا البرنامج لذكرها؛ ولكنني أذكر شيئاً منها.

فإن الاجتهاد قد يكون اجتهاداً كاملاً، وهو ما يسمّى بالاجتهاد، والذي يتصف به ٍيسمّى بالمجتهد المطلق؛ وهذا يصدق على الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، والإمام أحمد -رحمهم الله تعالى-. والمجتهد المطلق هو الذي يقرر القواعد العلمية لنفسه، ويستنبط الأحكام من أدلة الشريعة على ضوء القواعد التي يقررها، فهذا يكون مجتهداً مطلقاً، وعمله هذا يكون اجتهاداً.

والاجتهاد -أيضاً- قد يكون من جهة البحث عن الدليل، يجتهد في البحث عن الدليل، ويجتهد في البحث عن سلامة الدليل من المعارضة بعد وجوده وثبوته لديه، ويجتهد في سلامته من المعارضة بعدما عرف وجه دلالته.

والمُعارِض له قد يكون خاصاً أو مطلقاً، قد يكون خاصاً أو مُقيداً، وقد يكون ناسخاً للدليل، وقد يكون صارفاً للدليل عن ظاهره إلى تأويله، وقد يكون الاجتهاد راجعاً إلى معرفة مناط الحكم. وإذا كان راجعاً إلى معرفة مناط الحكم؛ يعني: يبحث فيه تكون القاعدة الكلية المشتملة على المناط العام متقررة؛ ولكنه يحقق هذا المناط الكلي يحققه في جزئياته ويطبقها عليه.

وبناءً على ذلك فقد يكون الاجتهاد راجعاً إلى الأدلة، وقد يكون الاجتهاد راجعاً إلى الحكم؛ كما أن الاجتهاد قد يكون راجعاً -أيضاً- إلى النظر في الأدلة من جهة التعارض، ومن جهة الترجيح؛ فمجال الاجتهاد في الحقيقة مجالٌ واسعٌ جداً.

وقد عقد الأصوليون كتاباً كاملا ًفي آخر الأصول ذكروا فيه الاجتهاد والتقليد، وألّفت فيه كتبٌ خاصة قديماً وحديثاً، واعتنى به العلماء عنايةً خاصة.

وأما من جهة القياس، فالقياس من جهة المدلول اللغوي هو: التقدير. ومن جهة التعريف الاصطلاحي فهو في الحقيقة يختلف باختلاف نوع القياس؛ فإن القياس يتنوّع إلى أنواع كثيرة؛ ولكن أذكر تعريفاً واحداً من التعريفات، وقد جرت عادة الأصوليين أنهم يذكرونه في بداية كلامهم على التعريف للقياس، فيقولون هو: حملُ فرعٍ أو إلحاق فرعٍ بأصلٍ في الحكم لجامعٍ بينهما.

        وعلى هذا الأساس بعد التصور الذي سبق للاجتهاد، والتصور الذي ذكرته في القياس؛ وبخاصةٍ من ناحية المدلول الاصطلاحي يتبيّن لنا أن الاجتهاد أعم من القياس.

فالفرق بين الاجتهاد والقياس هو: العموم والخصوص المطلق، فالاجتهاد أعم مطلقاً، والقياس أخص مطلقاً؛ أي: إنه نوع من أنواع الاجتهاد، وعلى هذا الأساس يمكنك أن تقول: كلّ قياسٍ اجتهاد، وليس كلّ اجتهادٍ قياس، فبعض الاجتهاد لا يكون من باب القياس.

وأما بالنسبة للأمثلة فأنا ذكرتُ في كلامي على الاجتهاد أن الاجتهاد قد يكون من ناحية ثبوت الدليل؛ كحديث الآحاد الذي يعترض له بعض العلل، فالمجتهد يحقق سلامة هذا الدليل أو يحقق مراده، وذكرت -أيضاً- ناحية الدلالة: دلالة الدليل، وسلامة الدليل من المعارضة؛ كتخصيص ٍ للعام، أو تقييد ٍ للمطلق؛ إلى غير ذلك.

وأما بالنسبة للأمثلة التي للقياس، فمنها إلحاق العنب بالتمر في الحكم، ومنها إلحاق الأرز بالبر من ناحية الحكم؛ إلى غير ذلك.

وأنا أنصح السائل ومن أراد من المستمعين بالرجوع إلى مباحث الاجتهاد في كتب الأصول، وإلى مباحث القياس في كتب الأصول؛ فكلٌ من الاجتهاد والقياس قد خُدم خدمةً تابعةً للأصول، وخدم خدمةً مستقلة؛ يعني: في كتبٍ خاصة، وهذا مما يدل على عناية العلماء قديماً وحديثاً في هذين الموضعين لما لهما من أهمية، ولما لهما من الأثر الواسع في مجال التشريع. وحلقة البرنامج لا تتسع لمزيدٍ من التفصيل عن هذا الأمر، وفيما سبق كفاية. وبالله التوفيق.