Loader
منذ سنتين

كيف نجمع بين : « بلغوا عني ولو آية » وبين الخوف من إتيان المنكر الذي ننهى عنه، أو ترك المعروف الذي ندعو إليه؟


الفتوى رقم (10528) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: من الواجب على المسلمين الدعوة إلى الله، كيف نجمع بين قول النبي : « بلغوا عني ولو آية » وبين الخوف من إتيان المنكر الذي ننهى عنه، أو ترك المعروف الذي ندعو إليه، فمن فعل ذلك يجرجر بأمعائه في نار جهنم والعياذ بالله، أو الخوف من التأول على الله -جل جلاله-؟

الجواب:

        الدعوة إلى الله -جل وعلا- هي وظيفة الرسل، وقد ذكر الله جملةً من الرسل في القرآن، وكل من ذكره من الرسل يدعو قومه ويُبين لهم ما شرعه الله في حقهم من جهة ما يأتون ومن جهة ما يذرون. والعلماء هم ورثة الأنبياء وكون العلماء ورثة الأنبياء؛ أي: إنهم ورثوا عنهم العلم. والعالم الذي ورث هذا العلم من الرسل عليه أن يأخذ هذا الميراث على وجهٍ سليم على أن يؤديّه من جهةِ العمل به، ومن جهة الدعوة إليه، فيكون عالماً، ويكون عاملاً، ويكون داعيةً إلى الله -جلّ وعلا-.

        وكل شخصٍ عنده علمٌ فهو مأمورٌ بالدعوةِ إلى تعليم هذا العلم، وإلى حثّ الناس على العمل به، فقد قال الله -جل وعلا- لنبيه محمدٍ ﷺ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[1].

        الداعية يبين للناس ما أمرهم الله به، وينهاهم عن الوقوع في الشيء الذي حرمه الله -جل وعلا-؛ ولكن لا يأمر الناس بالمعروف ويترك ما أمرهم به، ولا ينهاهم عن المنكر ويأتي هذا المنكر الذي نهاهم عنهم! يقول الله -جلّ وعلا-: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[2]؛ لأن عمل الداعية بما يدعو إليه وابتعاده عما يحذر الناس عنه سببٌ من أسباب قبول دعوته، وثقة الناس بهذا الداعية مستقبلاً؛ وكذلك ثقتهم بما يدعوهم إليه؛ أما إذا حصلت منه مخالفة وشاهد الناس هذه المخالفة فإنهم ينفرون عن دعوته، ويقولون في أنفسهم: علّم نفسك قبل أن تعلم الناس، وادع نفسك إلى الخير واجتنب الشر قبل أن تدعو الناس إليه!

        ولا يقال: إن الدعوة تكون من جهة الدولة أو من جهة شخصٍ معين؛ كل شخصٍ على حسب قدرته؛ لكن لابد أن يكون عالماً بما يأمر به، ويكون عاملاً بما يأمر به، حكيماً فيما يأمر به، ورفيقاً يما يأمر به، ويكون عالماً بما ينهى عنه، وعاملاً بترك ما ينهى عنه، ويكون حكيماً فيما ينهى عنه، ورفيقاً فيما ينهى عنه، ولهذا الله -جلّ وعلا- يقول: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[3].

        يتبين لنا من هذا أن الشخص في بيته يكون داعية يدعو نفسه أولاً ويدعو زوجته ويدعو ولده، وإذا كان عنده أب أو أم أو أخوات أو إخوان؛ كل هؤلاء يدعوهم، ويدعو جيرانه، ويدعو جماعة مسجده، وكذلك المعلم مع تلاميذه في أي مرحلةٍ من مراحل التعليم بإمكانه أن يسلك مسلك الدعوة، ولا فرق في ذلك بين تعليم الذكور وتعليم الإناث؛ فالمعلم يدعو تلاميذه، والمعلمة تدعو تلميذاتها؛ وهكذا إذا سمحت الفرصة للموظف مع موظفٍ آخر.

        المهم هو أن صفة الدعوة صفةٌ عامة، والمهم هو أن الشخص يدعو بحسب ما أتاه الله من العلم وما ذكرته من الصفات السابقة. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (125) من سورة النحل.

[2] الآية (3) من سورة الصف.

[3] من الآية (159) من سورة آل عمران.