Loader
منذ سنتين

من حج لبيت الله الحرام هل تغفر ذنوبه، وأي الذنوب التي لا تغفر؟


الفتوى رقم (4939) من المرسل أ. ع، من أثيوبيا، يقول: إذا حج الإنسان لبيت الله الحرام لابتغاء رضاء ربه، هل يغفر ذنوبه إذا كان يفعل قبل ذلك بعض الذنوب وأي الذنوب التي لا تغفر؟

الجواب:

        الذنوب على أربع درجات:

        الدرجة الأولى: الذنوب التي تخرج الإنسان عن الإسلام، وهي: الكفر الأكبر، والشرك الأكبر، والنفاق الأكبر، وهذه إذا تاب الإنسان إلى ربه منها ورجع إلى الله جل وعلا، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، يقول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[1]، والرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى- يكون هذا الرجوع بصدقٍ وإخلاصٍ وامتثالٍ لأوامره واجتنابٍ لنواهيه، ويكون فيه ندم من العبد على ما حصل منه، ويكون عنده عزم على أن لا يعود إلى مثل هذا العمل.

        والدرجة الثانية: الشرك الأصغر وهذا أيضاً يكفر بالتوبة إذا تاب العبد، فإن الله -سبحانه وتعالى- يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.

        والدرجة الثالثة: هي كبائر الذنوب التي دون الشرك الأكبر ودون الشرك الأصغر مثل الزنا والسرقة وما إلى ذلك، فهذه أيضاً إذا تاب العبد منها ورجع إلى الله جل وعلا، فإن الله يقبل التوبة فيما كان من حقه، وأما ما كان من حقوق الخلق فما أمكنه أن يؤدّى إلى صاحبه فإنه يؤدّى، وما لم يمكن فإذا كان مالياً فإنه يتصدق به وإذا كان قد اعتدى على عرضه فإنه يستبيحه إلا إذا كانت الاستباحة سيترتب عليها مفسدة أعظم أو يترتب عليها مفسدة مساوية للمصلحة، فمن المقررة في الشريعة أن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح. وهذه الدرجات ثلاث.

        والدرجة الرابعة: صغائر الذنوب، ومنها ما يصر عليها العبد والإصرار على صغيرة يجعلها كبيرة، ومنها ما لا يصر عليه، ويقول الله جل وعلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[2]، ويقول ﷺ: « الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفراتٌ لما بينها إذا اجتنبت الكبائر »، هذا الحديث فيه تنبيهٌ على أن صغائر الذنوب تكفرها الصلوات الخمس والجمعة ورمضان، وهكذا بالنظر للحج وهكذا بالنظر للعمرة، فعلى العبد أن يتفقد نفسه لأنه في هذه الحياة مكلفٌ بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وعليه أيضاً أن يراقب الله مراقبةً دقيقةً في ظاهره وفي باطنه خشيةً من أن يوافيه الموت وهو على حالةٍ سيئة، وعندما يموت الشخص وهو على الدرجة الأولى على الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر أو الكفر الأكبر فإنه يُخلد في النار، وعندما يموت على الدرجة الثانية وهي الشرك الأصغر فإنه يؤخذ من حسناته بقدر ما عمله من الشرك أو أن الله يدخله إلى النار ويطهره لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}[3].

        أما إذا مات على الدرجة الثالثة وهي كبائر الذنوب وكذلك إذا مات وهو مصر على صغيرةٍ من صغائر الذنوب والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، فهذه إذا مات عليها الإنسان ولم يتب فإنه تحت مشيئة الله جل وعلا إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه يعني أدخله النار وطهره ومآله إلى الجنة.

        وبالنظر لهذه المسألة التي سأل عنها السائل من ناحية أنه إذا حج هل يكون حجه مكفر لجميع الذنوب فعليه أن ينظر إلى حالته التي هو فيها ويطبق حالته على ما سبق تفصيله من هذا الجواب. وبالله التوفيق.



[1] الآية (53) من سورة الزمر.

[2] من الآية (31) من سورة النساء.

[3] من الآية (48) من سورة النساء.