Loader
منذ سنتين

المقصود بقول الرسول ﷺ: « تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة »


الفتوى رقم (4686) من المرسل م. أ. هـ، يقول: ما المقصود بقول الرسول ﷺ: « تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة » حدثونا عن بعض هذه الفرق التي من أمته عليه الصلاة والسلام؟

الجواب:

        يقول الله جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[1]، ويقول جلّ وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[2]، ويقول جلّ وعلا: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[3]، ويقول ﷺ: « بعثت إلى الأحمر والأسود وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة ».

        فهذه الشريعة شريعةٌ واحدة وشريعةٌ كاملة، وشريعةٌ عامة للإنس والجن منذ أن بُعث رسول الله ﷺ إلى أن تقوم الساعة، والله جل وعلا لا يقبل من أحد من أمة محمد ﷺ أمة الدعوة وأمة الإجابة لا يقبل منها إلا هذا الدين.

        وبناءً على ذلك فإن جميع الإنس والجن مخاطبون بهذا القرآن وبسنة رسول الله ﷺ، ومأمورون بالعمل بكتاب الله وبسنة رسوله ﷺ ومن ذلك اليهود والنصارى، فإن هذه الشريعة عامة لهم يعني أنهم داخلون فيها، فواجبٌ على جميع الإنس وواجبٌ على جميع الجن أن يمتثلوا ما أمر الله به في هذا القرآن، يفعلونه كل في حدود اختصاصه وما حرمه عليهم يتركونه كل في حدود اختصاصه، وما أوجب عليهم اعتقاده فإنهم يعتقدونه أيضاً، وهذا الطريق وهو القرآن وسنة الرسول ﷺ هذا الطريق بدأ من بعثة الرسول ﷺ وهو مستمر إلى أن تقوم الساعة، والإنس والجن مأمورون بسلوك هذا الطريق، والرسول ﷺ بين أن هذه الأمة بالنظر إلى تطبيقها للقرآن وللسنة بين أنها ستفترق عند التطبيق إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، وبين من هذه الفرق فرقة واحدة هي التي يكون تطبيقها موافقاً لمراد الله جلّ وعلا، ولهذا قال ﷺ: « كلها في النار إلا واحدة »، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».

        فالشخص الذي يكون مطبقاً لهذه الشريعة فيما يخصه يكون فرداً من أفراد هذه الأمة، والشخص الذي يوجد عنده ناقض من نواقض الإسلام مثلاً؛ يعني: شخصٌ يتصف بناقض يتخلف عنه ركنٌ من أركان الإيمان، أو جميع أركان الإيمان، أو يتخلف عنه ركنٌ من أركان الإسلام أو جميع أركان الإسلام؛ يعني: أنه يكون متصفاً بالكفر الأكبر، أو بالنفاق الأكبر، أو بالشرك الأكبر، فهذا إذا مات على ذلك فإنه خالدٌ مخلدٌ في النار كما دل ذلك القرآن والسنة، يقول الله جلّ وعلا في المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[4].

        وجاءت آياتٌ كثيرة في القرآن، وأحاديث كثيرة في السنة تدل على بيان أنهم يدخلون النار ويخلدون فيها؛ يعني: من اتصف بالكفر الأكبر، والشرك الأكبر، والنفاق الأكبر.

        أما الشخص الذي يكون عنده انحراف؛ ولكنه لا يخرجه عن دائرة الإسلام، هؤلاء ثلاثة أصناف:

        الصنف الأول: الشخص الذي يشرك بالله شركاً أصغر، ويموت على شركه فهذا إما أن يدخله الله النار ويطهره، وإما أن يأخذ من حسناته بقدر ما ارتكبه من الشرك الأصغر ويدخله الجنة.

        والصنف الثاني: أصحاب الكبائر دون الشرك الأصغر مثل: الزنا وما إلى ذلك إذا مات عليه الشخص، فهذا تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء أدخله النار وطهّره فيها ومآله إلى الجنة.

       والصنف الثالث: أصحاب صغائر الذنوب، والشخص الذي يعمل شيئاً من صغائر الذنوب هذا له حالتان:

        الحالة الأولى: أن يصر على الصغيرة، فإذا أصر على الصغيرة، فإنها تنتقل إلى أن تكون كبيرة، فإذا مات عليها ألحق بحكم أهل الكبائر.

        الحالة الثانية: إذا لم يصر على الصغيرة، فتكفرّها الأعمال الصالحة، وقد ذكر الله ذلك بقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[5]، وجاء في الأحاديث الدالة على أن الجمعة إلى الجمعة والصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان، والحج إلى الحج مكفراتٌ لما بينها إذا اجتنبت الكبائر.

        فعلى الشخص أن يحرص بقدر استطاعته أن يكون مستقيماً على أوامر الله جلّ وعلا، وأن يكون تاركاً لما حرم الله عليه، وأن يسأل ربه الثبات عند الممات على ذلك فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء، ولهذا كان الرسول ﷺ كثيراً ما يدعو، ويقول: « يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك ». وبالله التوفيق.



[1] من الآية (19) من سورة آل عمران.

[2] الآية (1) من سورة الفرقان.

[3] من الآية (19) من سورة الأنعام.

[4] الآية (145) من سورة النساء.

[5] الآية (31) من سورة النساء.