معنى حديث « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن »
- شرح الأحاديث
- 2021-09-07
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1379) من المرسل السابق، يقول: ما المقصود بقول الرسول ﷺ: « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن... إلى آخر الحديث » هل يُرفع عنه الإيمان كاملاً؟ أم يكون غير مستكمل للإيمان؟ وهل هناك معارضة بين هذا الحديث وحديث أبي ذرٍ t وهو قول الرسول ﷺ: « من قال لا إله إلا الله خالصاً بها قلبه دخل الجنة، فقال أبو ذر وإن زنا وإن سرق؟... إلى آخر الحديث ».
الجواب:
هذه المسألة مهمة بالنظر إلى أن بعض الناس قد يُغرق في ارتكاب المحرمات، ويتساهل في أداء الواجبات؛ بناءً على حسن الظن.
وبياناً لذلك:
إن الشخص إذا ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب التي لا تُخرجه عن الإسلام، إذا ارتكب ذلك فإنه يكون مؤمناً بإيمانه، فاسقاً بكبيرته، فلا يرتفُع عنه الإيمان؛ بمعنى: إنه يكون كافراً وخارجاً عن الإسلام في وقت ارتكابه للزنا مثلاً بالنسبة لأنه ورد في السؤال، ولهذا يقول الله -جلّ وعلا-:"وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"[1]، فوصف الطائفتين بالإيمان مع وجود الاقتتال بينهما. ويقول الرسول ﷺ: « إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل يا رسول الله، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل أخيه »[2]، وهذا الحديث من أحاديث الوعيد، والشاهد منه أن الرسول ﷺ وصفهما بالإيمان مع وجود القتال.
فالمقصود أن ارتكاب الشخص للكبيرة لا يكون مناقضاً لأصل الإيمان، بحيث يكون الإنسان كافراً بارتكابه الكبيرة كما هو مذهب الخوارج، ولكنه يكون مؤمناً؛ ولكن إيمانه يكون ناقصاً لا يكون كاملاً.
فعلى الشخص أن يتنبه لهذه الناحية، وأن يحرص على أن يكون سالكاً مسلك الإيمان الكامل، وألّا يبني على حسن ظنه بالله، يُغرق في ارتكاب المحرمات؛ لأنه قد يصل إلى درجة من التهور، ويأتيه الموت وهو على هذه الحالة. وهذا لا يمنع -أيضاً- من جهة أخرى أن الشخص عندما يقع في هذا الأمر أنه يتوب إلى الله -جلّ وعلا- ويستغفره؛ هذا من جهة الحديث.
وأما من جهة ما ذكره السائل من ناحية أن الإنسان إذا مات وهو يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة، فهذا الكلام لابدّ له من تحقيق، وتحقيقه أن الشخص لابدّ أن يكون متصفاً بصفةٍ تجعله مات على الإسلام؛ يعني: إنه لا يكون متصفاً بشركٍ أكبر، ولا بكفرٍ أكبر، ولا بنفاقٍ أكبر، وهذا لا يعني أن الشخص يقول: لا إله إلا الله، ولكن لا يصلّي ولا يصوم ولا يزكّي ولا يحج، فكلمة لا إله إلا الله لا بدّ لها من أركانٍ باطنة، ولا بدّ لها من أركانٍ ظاهرة، فأركانها الباطنة هي أركان الإيمان، وأركانها الظاهرة هي أركان الإسلام، فإذا جاء بها مجردةً عن أركانها فكيف يكون مسلماً؟.
جبريل جاء إلى الرسول ﷺ فسأله عن الإيمان فبيّن له أركانه، وسأله عن الإسلام فبيّن له أركانه.
فالمقصود أن الشخص لا بدّ له أن يتنبه لنفسه من جهة تحقيق أركان الإيمان، ومن جهة تحقيق أركان الإسلام، حتى يتحقق له بذلك أنه حقق شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله. وبالله التوفيق.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما(4/2214)، رقم(2888).