حكم المغالاة في المهور، ونصيحة لمن يغالي فيها
- النكاح والنفقات
- 2021-09-08
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1387) من مرسل من بلاد زهران تهامة، يقول: ما حكم غلاء المهور في الإسلام؟ حيث يوجد لدينا بعض الناس الذين لا ينظرون إلى الرجل من حيث خُلُقه ودينه؛ ولكن ينظرون إليه من حيث المال والجاه والنسب. وكما نخبركم أن البنات عندنا صِرن مثل السلعة في السوق، نرجو من فضيلتكم المزيد والمزيد والإفادة عن ذلك، وإذا تكرمتم بإرسال بعض المرشدين إلى منطقتنا جزاكم الله خيراً.
الجواب:
هذه المسألة لها أهمية كبيرة بالنظر إلى أنها متعلقة بحياة الناس، لا يستغني عنها شاب، ولا تستغني عنها شابة، وقد حصل لهذه المسألة أن تطّرق إليها كثير من أهل العلم، وبعض الجهات المعنية أولتها عناية خاصة من وجوه مختلفة؛ ولكن الأمر المشكل في هذه المسألة يرجع في الحقيقة إلى أولياء أمور النساء من جهة، ومن جهة أخرى المظاهر التي تُفرض على الزوج من قِبل نساء المرأة، فولي أمرها وهو الرجل له وضع خاص، وأم المرأة وبقية نسائها لهن وضع خاص أيضاً. ومن جهة ثالثةٍ أيضاً فيما يتعلق بإقامة الحفلات وهذه ناحية اجتماعية.
فأما ما يتعلق بالزوج فالزوج في الحقيقة قد يكون من الناس الذين لا يهتمون في المجتمع، فيكون الإسراف من جهته ولم يُطلب منه، يكون غنياً ولكنه في الحقيقة لا يُبالي، وقد يكون من والد الزوج أيضاً، وقد يكون من جهة نساء الزوج أيضاً؛ فالمسألة في الحقيقة لا تتركز على جانب المرأة؛ بل تتركز -أيضاً- على جانب الزوجة وأهلها، وعلى جانب الزوجة وأهلها.
فأما بالنسبة لجانب الزوجة، فأبوها قد يفرض مالاً كثيراً، ويقول: ابنتي كذا وكذا، وقد جاءني فلان ودفع كذا، وجاءني فلان ودفع كذا؛ فيجعلها في مجال المساومة، لِيُنبه هذا الرجل على أنه لن ينالها إلا إذا دفع أكثر مما دفع أولئك. وقد ينتظر خطيباً جديداً وهلم جرّا، وتتعطل البنت، فعلى ولي المرأة أن يكون منصفاً وألّا يجعل المهر هو الغرض من الزواج؛ لأنه قد يُعاقب على ذلك.
وأما من ناحية أم الزوجة وسائر القريبات؛ كلّ واحدة منهن تريد هدية من الزوجة، والزوجة لا تُهدي من مالها؛ وإنما تُهدي من المهر؛ فحينئذٍ يتضاعف المهر على الزوج، فالأم تريد حقاً، والعمة والخالة ولأخت إلى غير ذلك؛ ربما الجيران أيضاً، وهذا كله على حساب الزوج، فعندما يخطط الزوج للزواج وينظر إلى ما يطلبه الأب بمفرده، وما تطلبه الأم وسائر القريبات على حسب العُرف السائد، ما يطلبنه من الهدايا، وبعد ذلك الشيء الذي يخص الزوجة من الملابس ومن الحُلي، وغير ذلك من الأمور؛ فحينئذٍ يتوقف عن تنفيذ الزواج؛ لأنه لا يتمكن من تحقيق ذلك؛ وبالتالي الزوجة يتأخر زواجها، وقد تقع فيما لا تحمد عقباه، والزوج كذلك قد يقع في أمر لا تكون عاقبته محمودة.
وأما بالنسبة لمظهر الزواج من ناحية الوليمة، فقد يفرضون على الزوج أنه يأتي بعشرين بثلاثين بأربعين كبشاً، وما تحتاج إليه من الطعام وما إلى ذلك؛ وبالتالي يُوضع هذا بعد الانتهاء منه في ليلة الزواج، قد لا يُأكل من إلا القليل فتكون العاقبة الإثم، فلا بدّ من الإنصاف لا من ناحية الزوج، ولا من ناحية نساء الزوجة، ولا من ناحية الزوجة؛ يعني: من جهة ما تتطلبه من حُلي وما إلى ذلك؛ وكذلك من جهة وليمة الزواج لا بدّ من الإنصاف في هذه الأمور، وعمل الشيء الذي لا يكون فيه ضرر على الزوج، ولا يكون فيه خدش من مكانة المرأة؛ هذا من جهة الزوجة وأبيها ونسائها، ومن ناحية مظهر الزواج.
أما من ناحية الزوج وأبيه وأمه، فبعض الأزواج قد يكون غنياً ولا يُبالي فيُسرف إسرافاً عظيماً، وهذا يُنشئ تصوراً عند بعض الناس إذا أراد أن يتزوج يقول: أنا أريد أن أكون مثل فلان، لا يستطيع أن يكون مثل فلان فيؤخر الزواج. قد يكون الإسراف من ناحية الأب فيقول: أنا ابني لا بد أن يكون مثل الناس، فيُسرف الأب من وجوه كثيرة من الإسراف؛ وكذلك أم الزوج يُمكن أنها تُثبت شخصيتها في أن ابنها لابدّ أن يكون زواجه معلوماً عند الخاص والعام، ولا بدّ أن يُبذل له كذا، فتفرض على زوجها وعلى ابنها أموراً لا تكون مباحةً من ناحية الشرع، وقد يكون -أيضاً- من ناحية الأم قد يكون الزوج له أخوات فيفرضن هذا الشيء، والأب يقول: والله لا أخالف بناتي. والأم تقول: أنا لا أريد تزعل بناتي، والزوج يقول: أنا لا أريد أن تزعل أخواتي؛ وقِس على هذا.
فالمقصود أن الإسراف في الزواج لا يتركز في الحقيقة على شخصٍ معين فقط؛ وإنما قد يكون صادراً من جهاتٍ متعددة، وقد يكون صادراً من جهة واحدة؛ فعلى أولياء أمور البنات، وعلى من يريد أن يُزوج ولده؛ عليهم أن يتقوا الله -جلّ وعلا-، وأن يُنصفوا في هذا الباب، وأن يسلكوا مسلك الاعتدال.
والمهم في الحقيقة في هذا الأمر هو حصول الكُفء من ناحية الزوج؛ وكذلك من ناحية الزوجة. فأما من ناحية الزوج فقد قال الرسول ﷺ: « إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير »، وبالنسبة للزوجة يقول الرسول ﷺ: « تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحَسَبها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدِّين تَرِبت يداك »، فجعل الدِّين هو الأساس، لا بالنسبة للرجل، ولا بالنسبة للمرأة، وهذا هو المقياس الصحيح الذي ينبغي أن يُقاس عليه مبدأ الزواج؛ أما كون مبدأ الزواج يكون هو الإسراف، وأن الزواج لا يتحقق إلا بهذا؛ فهذا خروج عن الطريق المستقيم في هذا الباب، وقد سلكت بعض الجهات مسالك طيبة، فحددت المهور؛ يعني: بعض القبائل وبعض البلدان وضعت نظاماً، بالنسبة للقبيلة تضع نظاماً لزواج البكر بالبكر وللزواج بالثيب، حددوا مهراً ووقّعوا عليه وطبّقوه، وقد لاقى قبولاً عظيماً من أفراد القبيلة، ويسّر الله أمر الفتيان وأمر الفتيات، وكثر الزواج عندهم؛ وبالتالي يكثر النسل، ويزداد عدد القبيلة.
وفي بعض البلدان -أيضاً- وضعوا نظاماً لأنفسهم على هذا الأساس، فلو تيسّر هذا وهو أن أهل البلدان الذين بينهم ترابط لو أنهم وضعوا هذا النظام لأنفسهم بالنسبة لتحديد مهرٍ يتفق عليه أهل البلد، يتفقون على مهرٍ للبكر وعلى مهرٍ للثيب، ويجعلونه موضع التنفيذ؛ وكذلك يجعلون حدّاً للولائم ويكون مطابقاً للشرع؛ لكان هذا مناسباً، ويحُل كثيراً من المشاكل؛ هذا من جهة.
ومن جهةٍ أخرى لو أن خطباء المساجد الذين يتولّون الخِطابة في الجُمع في مساجد الجمعة يعتنون بهذا الجانب من فترةٍ إلى أخرى، ويبينون مضار تأخر الزواج بالنسبة للبنت وبالنسبة للولد، ويبيّنون الآثار الطيبة المترتبة على الزواج المبك؛ وكذلك يبينون للناس ما يترتب على غلاء المهور، وأن هذا مخالف لشرع الله -جلّ وعلا-، فإذا حصل تظافر من الخُطباء ومن المسؤولين بالنسبة للقبائل وبالنسبة للبلدان، إذا حصل تظافر في الجهود في هذه الأمور، وحصل -أيضاً- تعاون من ولي المرأة ومن الزوج؛ وكذلك من ناحية المرأة لا تتعسر في الطلب؛ وكذلك نساؤها، وكذلك بالنسبة لوالد الزوج وللزوج نفسه إذا كان قادراً ولنسائه أيضاً؛ يعني: على الجميع أن يتقوا الله، ويسلكوا المسلك الشرعي في ذلك. وبهذه الطرق يتحقق المقصود، وبعدمها يتحقق عكسه، ولا شك أنه ضار من نواحٍ كثيرة. وبالله التوفيق.