Loader
منذ 3 سنوات

الجمع بين حديث النبي ﷺ:« أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف » ،وحديثٌ عائشة « عندما دخل عليها ومعها جاريتان تلعبان بالدف في يوم عيد....»


الفتوى رقم (1761) من المرسلة السابقة، يقول: كيف تعلّلون حديث النبي ﷺ: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: « أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف »[1]، وحديثٌ مطول عن عائشة وعن أبي بكر « عندما دخل عليها ومعها جاريتان تلعبان بالدف في يوم عيد وعندها رسول الله ﷺ فزجرها أبو بكر... » إلى آخر الحديث[2]، وهل في هذا تعارضٌ بين الحديثين السابقين والحديث الآتي: قال الرسول ﷺ: « كلّ ما يلهو به المسلم باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله »[3]، فسّروا لي هذا جزاكم الله خيراً، وهل نفهم من هذا تحريم الغناء؟

الجواب:

 الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- لا ينطق عن الهوى، فالسُّنة هي الوحي الثاني، تكون قوليةً، وفعليةً، وتقريريةً، وعندما يصدر منه قولٌ أو فعلٌ أو تقرير؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم ينقلون ذلك بالرواية؛ قد يكون من جهة اللفظ، وقد يكون من جهة المعنى.

ومن يأتي بعدهم من أهل العلم يتكلّمون في شرح ما صدر عن الرسول-صلوات الله وسلامه عليه-.

 فإذا نظرنا إلى دلالة الكلام مُضافة إلى الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-، فلا شكّ أنه يريد معنىً محدداً من كلامه، وأنه معصومٌ في ذلك.

وإذا نظرنا إلى من يفهم كلام الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- وجدنا أنه قد يصيب وقد يخطئ، ولهذا جعل الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- للمجتهد أجرين: أجراً لاجتهاده، وأجراً لإصابته؛ وجعل للمخطئ أجراً واحداً، وهو أجره على اجتهاده؛ وخطؤه معفو عنه لا إثم عليه فيه.

وما تكلّم به الرسول ﷺ في هذا المجال لا يتناقض؛ بل هو متفقٌ؛ فإن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بالنسبة لأمره بإعلان النكاح وضرب الدُّف هذا من أجل أن يفرّق بين النكاح وبين السفاح؛ لأن السفاح يكون خفيةً، فأراد الرسول ﷺ أن يتخذ النكاح مكانةً ظاهرةً للفرق بينه وبين السفاح.

وأمر أو أذن في الضرب بالدُّف، والدُّف معروف آلة ليس لها إلا وجهٌ واحد، وليست مغلقة من جميع الجهات؛ كالطبل. والرسول ﷺ عربي ويُخاطب العرب؛ فآثر لفظ الدُّف على لفظ الطبل؛ لما بينهما من الفرق من ناحية الصوت، فأذن في الدُّف.

 وعندما نريد أن نستخدم إذنه ﷺ في الدُّف وإعلان النكاح نوسّعه، ونأتي بآلات الملاهي المتنوعة، وبالمغنيين والمغنيات، ونجعلهم يضربون الطبول، ويدقون الموسيقى، ويغنون في الليل وفي النهار، ويزعجون الناس، ونقول إن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- أذن بضرب الدُّف، فهذا يكون من باب الإضافة إلى الشرع ما ليس منه؛ ومع الأسف أن كثيراً من الناس يضيف إلى هذه الشريعة ما هي بريئةٌ منه.

وبناءً على ذلك: فلا يصح أن يستنبط من هذا الحديث ما يفعل من المنكرات في الأعراس؛ وأما ما جاء عنه ﷺ بالنظر إلى إظهار الفرح في يوم العيد، وإقراره ﷺ لذلك، وإنكار أبي بكرٍ رضي الله عنه؛ فإنكار أبي بكرٍ رضي الله عنه على حسب علمه، وإقرار الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بالنظر إلى أنه لا ينطق عن الهوى. ومعلومٌ أن مقام أبي بكرٍ عند الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- مقامٌ عظيم، وقد وصفه ﷺ بأنه صدِّيق، فحينما صعد جبل أحد هو وأبو بكرٍ وعمر وعثمان -صلى الله على رسوله- و-رضي الله عن خلفائه وعن صحابته - واهتزّ، فقال له ﷺ: « اسكن أحد فليس عليك إلا نبيٌ وصدِّيقٌ وشهيدان »[4]، فوصفه ﷺ بأنه صدِّيق، أو كما قال ﷺ ؛ ولكن كونه صدِّيقاً لا يعني أنه معصومٌ فيما يقول.

وأما ما جاء بعد ذلك مما يوهم أنه يؤخذ منه إباحة الأغاني، فهذا ليس بصحيح، وقد دلت الأدلة من القرآن ومن السنة على تحريم الأغاني، فقد قال تعالى:"وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ"[5]، ففي قوله: (بصوتك) هذا هو الغناء.

 وجاء في قوله تعالى:"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ"[6] فسّره بعض الصحابة بأنه الغناء، وكذلك في قوله تعالى:"وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ"[7] والمقصود به -هنا- الغناء، إلى غير ذلك من الأدلة التي جاءت في القرآن، وجاءت دالةً في السنة.

فعلى كلّ مسلمٍ أن يتقي الله في نفسه لا من جهة نفسه، ولا من جهة من ولّاه الله أمره؛ عليه أن يتقي الله، وأن يحصّن نفسه، وأن يحصّن من ولّاه الله أمره عن المنكرات؛ وبهذا يتبين أن الأحاديث ليست بمختلفة، وأنها مجتمعةٌ فيما تقّرر شرعاً. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح(3/390)، رقم (1089).

[2] ينظر: صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب الحراب والدرق يوم العيد(2/16)، رقم (949)، وصحيح مسلم، كتاب صلاة العيد، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه (2/608)، رقم(892).

[3] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله (4/174)، رقم(1637)، وابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب الرمي في سبيل الله (2/940)، رقم(2811).

[4] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب مناقب عثمان بن عفان (5/15)، رقم (3699).

[5] من الآية (64) من سورة الإسراء.

[6] من الآية (6) من سورة لقمان.

[7] الآية (61) من سورة النجم.