Loader
منذ 3 سنوات

حكم نصح الزوجة لزوجها الشارب للخمر وصبرها عليه


الفتوى رقم (1989) من المرسلة س. ع. ل، من العراق، تقول: أنا سيدةٌ متزوجة ، ولي سبعة أولاد وأربع بنات، ولي زوجٌ غير مستقيم في الحياة، يتناول الخمر ويمشي مع أصحاب السوء، ولقد منعته وهجرته ونصحته ولكن لا يزداد إلا عناداً، وهو يتشاجر معي ومع أولادي في كل مرة، وقرأت حديثاً عن الرسول ﷺ أنه قال: « ما من امرأةٍ قالت لزوجها ما رأيت منك خيراً إلا أحبط الله عملها سبعين سنة، ولو كانت تصوم النهار وتقوم الليل »[1] وأنا لا أستطيع أن أفعل معه شيئاً إلا أن أنصحه وأذكره بعذاب الله، وأدعوه ليتوب من هذا العمل، وما معنى هذا الحديث وهل ينطبق علي؟ وهل يعتبر صبري وعبادتي معه إثماً علي؟

الجواب:

هذه المسألة يمكن أن يجاب عنها من وجوه:

        الوجه الأول: أن هذه المرأة بذلت ما في وسعها من جهة ما يجب عليها أن تفعله مع زوجها من جهة أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد أحسنت في ذلك وأرجو أن يثيبها الله جل وعلا على حسن عملها.

الوجه الثاني: أن انصراف الزوج عن الاستماع إلى ما تبذله له زوجته من النصائح لا ينبغي أن يكون هذا سبباً في يأس زوجته منه من جهة الاستمرار في تلك النصائح ؛ لأنها قد تنصحه في يومٍ من الأيام ويوافق ذلك القضاء والقدر ويفتح الله على قلبه، ويعود إلى رشده، ويقلع عن جميع ما مضى من أعماله السيئة يعني يتوب منها، ويقتصر عن عمل هذه الأشياء في المستقبل، ويتوجه إلى الله يعبده بصلاةٍ وصيامٍ وغير ذلك من الأعمال الصالحة.

الوجه الثالث: أن هذا الزوج قد أساء من ثلاث جهات:

        الجهة الأولى: أنه أساء مع ربه، فإنه عصى الله على بصيرته في ترك ما يتركه من الأوامر، وفعل ما حرم الله جل وعلا، والتمادي في هذا الأمر، والتمادي في الأمور المحرمة أو في ترك الأمور الواجبة يُخشى على الإنسان أن الله جل وعلا ينساه كما نسي ربه، قال تعالى:"وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ"[2] فينصرف الله جل وعلا عنه ولا يكلؤه بعنايته وحفظه، ويستولي عليه الشيطان ويختم له بخاتمة سوء، وحينئذٍ لا ينفعه ذلك.

الجهة الثانية: أنه قد أساء إلى نفسه ؛ لأن نفسه أمانة في عنقه، فبصره أمانة ولسانه أمانة، وسمعه أمانة، وفرجه أمانة، وبطنه أمانة، يستعملها في طاعة الله ولا يجوز له أن يستعملها في معصية الله، فحينئذٍ قد تسبب في الإضرار بنفسه.

الجهة الثالثة: أنه قد أساء إلى زوجته من جهة وإلى أولاده من جهةٍ أخرى وإلى المجتمع من جهةٍ ثالثة، فبالنسبة لزوجته لم يتعامل معها التعامل الشرعي كما تعاملت معه، بل يؤذيها، قد يؤذيها بالضرب أو بالكلام السيِّئ، وأساء إلى أولاده من جهة أنهم قد يتأثرون بهذا السلوك السيئ وينعكس عليهم ويتخلقون بأخلاقه في المجتمع، فيكون قد تسبب في تربية أولاده تربيةً سيئة ، وهم أمانة في عنقه يجب عليه أن ينصح لهم وأن يوجههم إلى الصراط المستقيم، ولهذا يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: « ما نحل والدٌ ولداً نِحلةً خيرٌ من حسن أدب » . فإذا كان قد ضيع أولاده فهم أمانةٌ في عنقه، والله جل وعلا يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ"[3]، ويقول ﷺ: « كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في بيته ومسؤولٌ عن رعيته، والزوجة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، والعبد راعٍ في مال سيده ومسؤولٌ عن رعيته، ألا وكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته ، وبالنسبة للمجتمع فإنه أساء أيضاً إلى المجتمع من جهة أنه صار لبنةً فاسدةً في المجتمع، يؤذي الأفراد الذين يتصل بهم.

 وعلى كل حال فعلى كل شخصٍ أن ينظر إلى ما يقدم عليه من أقوالٍ وأفعالٍ ، وليعلم أن أعماله وأقواله مكتوبةٌ عليه وأنها محفوظة، وأنه سُيسأل عنها كما قال تعالى:"فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)"[4] وقال تعالى:"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"[5]، ويقول تعالى:"وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[6]، ويقول تعالى:"فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) "[7].

فعلى كل شخصٍ أن يتقي الله فيما بينه وبين ربه، وفيما بينه وبين نفسه، وفيما بينه وبين خلقه، وبالله التوفيق.



[1] أخرجه ابن عدي في الكامل(8/506)، بدون لفظ: "سبعين سنة".

[2] من الآية (19) من سورة الحشر.

[3] من الآية (6) من سورة التحريم.

[4] الآيتان (6، 7) من سورة الأعراف.

[5] الآية (47) من سورة الأنبياء.

[6] من الآية (49) من سورة الكهف.

[7] الآيتان (7، 8) من سورة الزلزلة.