Loader
منذ 3 سنوات

كيفية إخراج الزكاة في المال غير المستقر، وهل يجوز إعطاء الزكاة للأقارب؟


  • الزكاة
  • 2021-09-10
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1494) من المرسل هـ. ك، مصري مقيم في الكويت، يقول: إنني أوجه سؤالاً واحد فقط، فكثيراً ما حيرني في الوصول إلى الحل السليم له، ألا وهو موضوع الزكاة، أريد أن أقول: إنني إنسان أحاول جاهداً أن أنفذ شرع الله وسنة رسوله الكريم ﷺ،وعلى هذا الأساس أرسل إليكم برسالتي هذه، وأريد أن أقول: بأنني مقيم بدولة الكويت ولي رصيد من المال في أحد البنوك ببلدي مصر، وهذه الأموال لا تستقر عند رقم معين ثابت؛ وإنما هي معرضة للصعود والنزول في خلال السنة الواحدة أكثر من مرة، واحترت في حساب مقدار الزكاة عليها؛ نظراً لأنها غير ثابتة ولا يمر عليها الحول وهي في حالة الثبات، فهل أحسب الزكاة في أي حالة؟ وهل يجوز أن أعطي من الزكاة ممن هم في بلدي وبين أقاربي ومن ذوي الأرحام؟

الجواب:

        هذا السؤال يتضمّن أمرين:

        أما الأمر الأول: فهو فيما تجب فيه الزكاة من النقود التي سأل عنها السائل.

        أما الأمر الثاني: فهو في بيان مصرف هذه الزكاة، هل يجوز له أن يصرفها في بلده التي هي مصر؛ وكذلك يصرفها إلى ذوي الأرحام وإلى المحتاجين.

        فأما الجواب عن الأمر الأول: فهو أن سبب عدم الثبات في الحقيقة من جهة المال لا بد من التنبيه عليه؛ لأن الحكم يختلف باختلاف السبب.

فإذا كان سبب الهبوط والارتفاع في الرصيد يرجع إلى التعامل بالبيع والشراء في العملات، وقصده أن عين المال الذي أودعه لم يستقر، فقد يزيد وتكون النقود متوفرة، وقد ينقص إذا كان قد أجرى صفقة مصارفة، وقد يكون السبب راجعاً إلى أنه يشتغل في عروض التجارة؛ فإذا عرضت له تجارة اشترى بمفرده أو أنه شريك، وحجز قسماً من المال جعله ثمناً في عروض التجارة، وقد يعتبر في نفسه أن هذا التصرف بالنظر بالسبب الأول.

        وبالنظر بالسبب الثاني قد يتصور أنه قاطعٌ للحول من جهة الزكاة، فإذا كان السبب من هذا النوع، فإنه لا يكون مؤثراً على المال من جهة اعتبار الحول، فيُنظر إلى الوقت الذي تملك فيه النقود ويبدأ الحول منها، فإذا تم الحول يخرج الزكاة، وإذا كان لها أرباح من المعاملات المصرفية المشروعة، أو لها أرباح من المعاملات في عروض التجارة؛ فإن حول هذه الأرباح هو حول أصلها، وإذا كان السبب في الارتفاع والهبوط أنه يصرف منها على نفسه وعلى أهله؛ بمعنى: يستلم رواتب ويودعها، وبعد فترة وقبل تمام الحول يأخذ جزءاً منها لمصاريف البيت، أو يشتري سيارة لركوبها، أو يشتري بيتاً ليسكنه، ويكون ذلك قبل تمام الحول، فإذا كان السبب من هذا النوع، فإن هذا يكون مانعاً من وجوب الزكاة فيما صرفه في هذه الجهة إذا كان الصرف قبل تمام الحول؛ أما إذا كان الصرف بعد تمام الحول، فقد وجبت فيه الزكاة.

        فإذا فرضنا أنه تم حوله في رمضان؛ ولكنه لم يصرف منه إلا في شوال أو في رمضان؛ فحينئذٍ هذا لا يكون مانعاً من وجوب الزكاة. وعلى سبيل المثال لا يكون مانعاً من وجوب الزكاة إذا استلم راتب محرم وصرف منه في رجب أو شعبان، فإن هذا الصرف يكون مؤثراً؛ يعني: لا تجب فيما صرفه الزكاة إذا صرفه على الوجه الذي ذكرتُه من جهة -مثلاً- مصاريف منزلية.

وهناك أمر خطير يحتاج إلى تنبيه يرتكبه بعض الناس، وهذا الأمر هو أنه إذا قارب تمام الحول غيّر مجرى تجارته فراراً من الزكاة، فيشتري بالنقود التي عنده بيتاً من أجل أن يؤجره، أو أنه يغير النوع ينتقل من نوع تجارة إلى نوعٍ آخر، فيشتري إبلاً، أو يشتري بقراً، أو يشتري غنماً وما إلى ذلك.

        فالمقصود: أن الشخص إذا تصرف هذا التصرف من أجل الفرار من الزكاة، فإنه يعامل بنقيض قصده؛ يعني: إن هذا التصرف لا يكون مانعاً من وجوب الزكاة عليه، وهذه قاعدة مقررة في الشريعة وفروعها لا يكاد يُحصيها طالب العلم، وهي معاملة الإنسان بنقيض قصده؛ هذا بالنظر إلى الأمر الأول من السؤال.

        جواب الأمر الثاني وهو: بيان مصرف الزكاة، فهو ذكر أن الأموال مودعة في مصر، وحينئذٍ عندما يخرج الزكاة في مصر يكون قد أخرجها في بلد المال، ولم يَحتَج إلى نقلها من بلد المال إلى غيره.

        أما بالنسبة للأشخاص الذين تُصرَف لهم الزكاة، فقد بيّنهم الله -جلّ وعلا- في سورة براءة في قوله -تعالى-:"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ"[1]، فإذا كان الأقربون من الشخص من الذين لا تجب نفقتهم عليه فقراء، فهم أحق بذلك؛ لأنها على القريب صدقة وصلة.

        ومما يقع فيه مع الأسف بعض الناس أنه يدفع الزكاة لأبيه من أجل أن يُنفِق على نفسه، ونفقة الوالد واجبة على الولد، فهو يدفع الزكاة لأبيه من أجل وقاية نفسه، وبعضهم يدفعها لأمه، وبعضهم يدفعها لأبنائه؛ فالمقصود أنه لا يجوز الدفع لهؤلاء ونحوهم، والزكاة أمانة والله -جلّ وعلا- هو الذي تولى بيان مصارفها؛ فعلى العبد أن يتقي الله في نفسه، وأن يصرفها حسب الوجه الشرعي؛ براءةً لذمته من جهة، وإيصال الحق لأهله من جهةٍ أخرى؛ وبذلك يكون قد حصل على أجرٍ عظيم من جهة، وخدم هذا الجانب من التكافل الاجتماعي من جهةٍ أخرى.

        والخلاصة مما سبق:

        أولاً: إذا كان قصده الفرار من الزكاة فإن هذا لا يكون مانعاً.

         ثانياً: إذا كان زيادة المال ونقصانه من أجل المصاريف اليومية، أو تجارة يريد أن يركبها، ويكون ذلك قبل تمام الحول فإن ما أخرجه لا تجب فيه الزكاة؛ وإنما يزكي ما بقي. وإذا كان السبب هو بالنظر إلى ارتفاع النقود من ناحية الميزان التجاري عنده؛ كبيعه وشرائه في المعاملات المصرفية أو في عروض التجارة؛ فإن هذا التصرف لا يكون مانعاً ويزكي رأس المال، ويزكي ربحه في تمام السنة. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (60)، من سورة التوبة.