معنى حديث: « إن الإيمان ليأرز من المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها »
- شرح الأحاديث
- 2022-01-29
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (9665) من المرسلة السابقة، تقول: قال الرسول ﷺ: « إن الإيمان ليأرز من المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها »[1]، ما معنى ذلك؟
الجواب:
يقول الرسول ﷺ: « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس »، وهذا فيه دليلٌ على أن الإسلام بدأ غريباً، ولهذا الرسول ﷺ أول من آمن به أبو بكر، وكانت دعوته في مكة، كانت دعوته سراً، فلما أسلم عمر -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، هل أنت على حقٍ أم على باطل؟ قال: على حق، قال: اخرج للناس وادعهم، فانتقلت الدعوة من كونها سراً لكونها جهراً؛ ولكن من اعتدى عليهم فإنهم لا يأخذون حقهم منه، ولا شك أن هذه غربة، ففيه غربة الدرجة الأولى، وهذه غربة درجة ثانية لكنها ليست كالأولى، ثم بعد ذلك جاءت مرحلةٌ ثالثة وهي مرحلة أن من اعتدى عليهم فإنهم يأخذون حقهم.. {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[2]،{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[3]، ثم لما هاجر الرسول ﷺ إلى المدينة وأعلن الجهاد، جاهد ﷺ في سبيل الله -جل وعلا-، حتى أعلى الله الكلمة وبلغ هذا الإسلام ما شاء الله -جل وعلا- من بقاع الأرض وتطور وقال ﷺ: « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً ».
فبعدما ازدهر الإسلام بعد هذا الازدهار يبدأ تقصير الناس في العمل به؛ سواءٌ كان هذا التقصير على مستوى الأفراد، أو على مستوى الجماعات، أو على مستوى الدول، ولهذا جاء في الحديث: « لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: الله »[4].
فكما أن الإسلام انتشر من المدينة من ناحية الجهاد في سبيل الله -جل وعلا- وهذا منطلق قوة فإنه سيضمر العمل به من الناس حتى يصل إلى درجة أنه يرجع إلى المدينة كما خرج منها، وهذا دليلٌ على سعة ضعف العمل بالإسلام في جميع أصقاع الأرض، وقال ﷺ: « لا تزال طائفةٌ من أمتي منصورةٌ على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم »[5]؛ ولكن هذا لا يعني أن هذه القوة منتشرة في جميع أصقاع الأرض، وإنما هي في فئةٍ من الناس. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب الإيمان يأرز إلى المدينة(3/21)، رقم (1876)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً (1/131)، رقم(147).
[5] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب(4/207)، رقم(3641)، ومسلم في صحيحه،كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم » (3/1523)، رقم(1920)، واللفظ له.