معنى حديث: « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً »
- شرح الأحاديث
- 2022-01-14
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (9037) من المرسل السابق، يقول: ما معنى قول النبي ﷺ: « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً »؟
الجواب:
هذا الحديث يدل على ثلاثة أمور أساسية:
أما الأمر الأول: فهو غربة الإسلام ابتداءً، فإن الرسول أرسله الله -جل وعلا- وكان في مكة وأول من آمن به أبو بكر ومكة مملوءة من العرب، وهم أقارب للرسول ﷺ ومع ذلك ما آمن معه إلا أبوبكرٍ -رضي الله عنه-، هذا من جهة.
ومن جهةٍ أخرى كانت مراحل الدعوة أربع مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الدعوة سراً، ولا شك أن هذا يدل على غربة الإسلام ابتداءً.
المرحلة الثانية: ثم انتقلت إلى الدعوة جهراً مع الإعراض مع من آذاهم والصبر على ذلك، فلاشك أن هذا أيضاً فيه غربة.
المرحلة الثالثة: بعد ذلك حصلت الدعوة جهراً مع معاقبة من يسيء إليهم بقدر حقهم {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[1] {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[2].
المرحلة الرابعة: ثم بعد ذلك جاءت مرحلة الجهاد في سبيل {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}[3].. الآية.
فبناءً على هذه المرحلة الأخيرة، هذه امتدت كما قال ﷺ: « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً »، ويقول ﷺ: « لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه حتى تلقوا ربكم »[4].
فبعد انتهاء غربة الإسلام ابتداءً، توسع الإسلام في البلاد، في بلاد العالم في بلادٍ كثيرة جداً.
ثم إن الناس بعد ذلك حصل عندهم ضعفٌ من ناحية تطبيق الإسلام، وهذا الضعف ناشئٌ عن جهاتٍ كثيرة:
أما الجهة الأولى فهي: عدم التطبيق الإسلام على نفس الإنسان بمعنى انه يحصل منه ما يوجب الكفر أو النفاق الأكبر أو الشرك الأكبر أو المعاصي، يقول الله -جل وعلا-: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[5]، و{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[6]، هذا بالنظر إلى نفس الإنسان.
وقد يكون في الأسرة أيضا أن الأسرة تشترك في بعض المعاصي ورب الأسرة لا ينهاهم عن المنكر، وقد تكون في الشخص الذي يتولى أمراً من الأمور يكون مسؤولاً عنه أمام الله -جل وعلا- فيحصل منه تقصيرٌ في أدائه، أما من ناحية عدم امتثال الأمر أو ارتكاب النهي.
ثم بعد ذلك تطور هذا الشيء إلى يومنا هذا، ومستوى مسمى المسلم في العالم، هذا مستوى لا بأس به، لكن النبي ﷺ قال: « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي »، فإذا نظر الإنسان إلى واقع الناس وطبق عليهم هذه الفرقة، وجد أعدادا نادرةً جداً تتوفر فيه الشروط التي تجعله من هذه الفرقة وبناء على ذلك فتكون هذه غربة للإسلام.
وإذا نظرنا من جانب آخر وجدنا أن الوسائل التي ينشأ عنها الفساد متوفرة، وتجد قبولاً من كثيرٍ من الناس من الذكور والإناث كالقنوات التي تبث الفساد والوسائل المستخدمة لاستقبال هذا الفساد، وتربية الأشخاص لرعاياهم على هذه الأمور ينشؤون عليها ويستمرون أيضاً عليها.
وإذا نظرنا من جانب آخر وجدنا الضعف الديني ووجدنا هجوم من أشخاصٍ على هذا الدين.
ومن المعلوم أن هذا ليس له تأثير على الله -جل وعلا-، فقد قال -جل وعلا- في الحديث القدسي: « يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيء، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص ذلك من ملكي شيء، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل واحدٍ منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيء إلا كما ينقص المخيط إذا ألقي في البحر »، فالله -سبحانه وتعالى- غنيٌ عن العالمين؛ ولكن الشخص هو الذي مفتقرٌ إلى الله افتقاراً لا يغنيه عنه غيره، وبالله التوفيق.