معنى حديث « نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ »، وهل الحسرة والندامة في الدنيا أم في الدنيا والآخرة؟ وهل الحديث يحث على كسب الوقت والصحة بالأعمال الصالحة؟ وما نصيحتكم للشباب اليوم؟
- شرح الأحاديث
- 2022-02-21
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (10062) من المرسل ع. س من أوثال يقول: يقول ﷺ: « نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ »[1]، ما المقصود بهذا الحديث؟ وهل الحسرة والندامة في الدنيا أم في الدنيا والآخرة؟ وهل الحديث يحث على كسب الوقت والصحة بالأعمال الصالحة؟ وما نصيحتكم للشباب اليوم؟
الجواب:
يقول ﷺ: « اغتنم خمساً قبل خمسٍ: شبابك قبل هرمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك ».
فذكر الفراغ هنا أنه نعمة، وذكر الصحة أنها نعمة وأنها تغتنم، ذلك أن الشخص يكون صحيحاً في وقتٍ، ويكون مريضاً في وقتٍ آخر،فهو مغبونٌ من ناحية الصحة؛ لأن المفروض أنه يستغل هذه الصحة في طاعة الله. والمقصود -هنا- هو التطوع؛ أما الواجب كالصلوات الخمس، وصيام رمضان؛ وهكذا بالنظر إلى أداء الزكاة والعمرة الواجبة، والحج الواجب هذا مفروغٌ منه؛ لكن أنه يحتاج إلى أن يتطوع للعبادات القولية، والعبادات البدنية، والعبادات المالية، والعبادات البدنية المالية.
فيستعمل لسانه لقراءة القرآن، وكثرة ذكر الله -جل وعلا-، والاستغفار؛ كما يكثر من صلاة التطوع، وصيام التطوع، وصدقة التطوع، وعمرة التطوع، وحج التطوع؛ وهكذا بالنظر إلى مساعدة المسلمين؛ لأن الإنسان يستعمل هذه الصحة في نفعٍ قاصرٍ عليه، وفي نفعٍ متعدٍ إلى الناس، فيستعمل هذه الصحة في الأمرين فيما يعود عليه بالنفع من جهة، وفيما يعود على الناس بالنفع من جهةٍ ثانية، وبالأجر عليه هو من جهةٍ أخرى. وهكذا يأتيه المرض في يومٍ من الأيام ويتمنى أنه يكون قوياً حتى يأتي بالأمور التطوعية، ويندم إذا كان قد فرط في وقت صحته ولكن هذا الندم لا ينفعه، ولهذا الرسول ﷺ قال: « اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك... ».
وهكذا بالنظر للإنسان يأتيه أوقاتٌ فيها فراغ، ويأتيه أوقات يكون فيها مشغول. أوقات الفراغ تكون في الليل أو في النهار. وعندما يحصل فراغ يغتنم هذا الفراغ بالتقرب إلى الله -جل وعلا-، وذلك بحسب ما يتمكن منه في تلك اللحظة، وقد يأتيه وقتٌ يكون مشغولاً، ويتمنى أن هذا الشغل لا يكون موجوداً وذلك بأن يتقرب إلى الله -جل وعلا-.
فالمقصود أنه يغتنم الصحة ويغتنم الفراغ، وبهذا يكون مغبوناً في الصحة، ويكون مغبوناً في الفراغ؛ لأنه مطلوب منه أن يستغلهما في طاعة الله -جل وعلا-، وإذا ما استغلهما في طاعة الله حينئذٍ يكون خاسراً إذا لم يستعمل الصحة ولم يستعمل الفراغ في طاعة الله. والخسران تارة يكون في الدنيا، وتارة يكون في الآخرة، وتارةً يكون فيهما. والخسارة الحقيقية هي خسارة الدين؛ لأنه خسر الدنيا والآخرة، وفي الآية: {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[2]؛ فالإنسان يخسر في الدنيا ويخسر في الآخرة.
وأما بالنظر لخسارة الدنيا فإن هناك ثمناً ومثمناً. الثمن هو ما يدفعه الإنسان وهذا الذي يدفعه تارة يكون المثمن هو الجنة، وتارة يكون المثمن هو النار، فالإنسان عندما يتقرب إلى الله -جل وعلا-، فتقربه هذا سبب، وعندما يثيبه الله -جل وعلا- في الآخرة أو يجمع له بين الأمرين؛ يعني: يثيبه في الدنيا ويثيبه في الآخرة، فثواب الدنيا منها استمرار الصحة واستعمالها في طاعة الله، وتهيئة الأوقات المناسبة، والإعانة على طاعة الله -جل وعلا-؛ فيكون قد ربح في هذه التجارة.
أما إذا كان الثمن الذي يدفعه هو المعاصي، فإن ما يأخذه في مقابل هذا الثمن هو العقوبات؛ سواءٌ كانت هذه العقوبات في الدنيا أو في الآخرة، كما قال -جل وعلا-: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[3]، وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[4]، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[5]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}[6]؛ هذا بالنظر إلى كون الإنسان يخسر وكونه يربح، وأعظم خسارةٍ خسارة الآخرة؛ لأن خسارة الآخرة وربح الآخرة إما أن يكون الربح هو دخول الجنة ولا يخرج منها؛ وإما أن يكون الربح هو دخول النار ولا يخرج منها، أو يدخلها ويعاقب فيها ومآله على الجنة.
وبناءً على ذلك كله: فعلى الإنسان أن ينظر إلى الأمور التي يزاولها في هذه الحياة هل هذه الأمور من الأمور المشروعة أم أنها من الأمور الممنوعة، فإذا كانت من الأمور المشروعة فقد ربح في الدنيا وفي الآخرة، وإذا كانت من الأمور المحرمة فقد خسر في الدنيا وخسر في الآخرة. وبالله التوفيق.