Loader
منذ 3 سنوات

حدثونا عن فضل التوبة والاستغفار عسى الله أن يتوب علينا جميعًا


  • فتاوى
  • 2021-07-22
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (6281) من المرسل السابق، يقول: حدثونا عن فضل التوبة والاستغفار عسى الله أن يتوب علينا جميعاً.

الجواب:

        مشروعية التوبة فضل من الله وإحسان وكرم منه على أهل الذنوب؛ فالتوبة نوع من أنواع العلاج الروحي؛ لأن الإنسان مركب من بدن ومن روح، فالبدن غذاؤه في الأمور المادية من المآكل والمشارب؛ وهكذا تحصينه بالمساكن، تحصينه باللباس، وغير ذلك من الأمور التي يستعملها للمحافظة على سلامة جسمه.

        وشرع الله التداوي فقال ﷺ: « عباد الله، تداووا ولا تتداووا بحرام فإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها »ولهذا توجد المستشفيات لعلاج الأبدان. وغذاء الروح هو الوحي القرآن؛ وكذلك السنة فهي لا تتغذى إلا بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه. وعندما يحصل مخالفة بترك واجب أو بفعل محرم فإن الله سبحانه وتعالى شرع من فضله أموراً كثيرة لعلاج هذا الشيء الذي حصل فيه تقصير ومن ذلك التوبة، فالتوبة تجُبّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. ويخاطب الله -جلّ وعلا- الكافرين فيقول: "قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ"[1] فهذا في خطاب الكفار فمَن دونهم من أصحاب المعاصي من باب أولى.

        والتوبة لها شروط إذا كانت من حقوق الله، ولها شروط إذا كانت من حقوق الخلق، فيندم العبد على ما فعل، وهذا شرط مشترك، ويقلع من الذنب وهذا شرط مشترك، ويعزم على ألاّ يعود إلى الذنب وهذا -أيضاً- مشترك بين حقوق الله وبين حقوق الخلق. وحق المخلوق إذا كان حقاً مالياً فإنه يُعيده إلى صاحبه وإذا كان حق الآدمي يقتضي الاستباحة فإنه يستبيحه، وإذا تعذرت الاستباحة أو تعذر رد المال إليه فإذا تعذرت الاستباحة فإنه يدعو له، وإذا تعذر عليه رد المال فإنه يتصدق عليه على نية صاحبه.

        ومما يؤسف له أن بعض الناس تكون التوبة بحركة بلسانه فقط، ولا يحقق شروطها إذا كانت من حق الله، ولا يحقق شروطها إذا كانت من حقوق الخلق.

        وبعض الناس يغفلُ عن نفسه ويسوّف بالتوبة ويقول: دعنا نستمتع بهذه الحياة. واستمتاعه مخالفة أوامر الله وفعل ما حرم الله، فيطيع الشيطان، ويطيع نفسه الأمارة بالسوء، ويطيع هواه التي يقوده إلى معصية الله، ويطيع شياطين الإنس فيكون وليًا من أولياء الشيطان بدلاً من أن يكون وليًا من أولياء الله فيأتيه وهو على غرة فيأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.

        ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان الشخص مغِرقاً في المعاصي والله يمهله ويفتح عليه من أبواب نعمه؛ فهذا من باب الاستدراج كما قال -تعالى-: "سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)"[2]، ويقول -جلّ وعلا-: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ"[3]، وفي الحديث: « إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته » ثم قرأ رسول ﷺ هذه الآية: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ"[4].

        فعلى كلّ شخص أن يتنبه لنفسه فإذا كان مستقيماً فليحمد الله، وإذا كان عنده شيء من التقصير فعليه أن يسارع إلى التوبة على حسب الوجه الشرعي الذي سبق تفصيله؛ لئلا يأتيه الأجل وهو على غرة.

        ومن المعلوم أن التوبة لا تُقبل وقت غرغرة النفس وخروج الروح من البدن: « إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر »[5]. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (38) من سورة الأنفال.

[2] من الآيات (44- 45) من سورة القلم.

[3] الآية (102) من سورة هود.

[4] الآية (102) من سورة هود.

[5] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات(5/547)، رقم(3537)، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة(2/1420)، رقم(4253).