Loader
منذ سنتين

حكم زواج البنت من رجل لا تريده، وبعد الإنجاب تفكر بالانفصال


الفتوى رقم (4150) من مرسلة لم تذكر اسمها، تقول: أنا فتاة أبلغ من العمر عشرين سنة، وقبل عدة سنوات تقدم لي عدة شباب، وأبي اختار لي واحداً منهم، ولكنه لم يشاورني في ذلك الوقت، وأنا كنت أعلم به، وكنت لا أريد هذا الشاب الذي اختاره والدي، وبعد فترة طويلة شاورني والدي على الزواج منه، وكنت أريد الرفض، ولكني وافقت وذلك لعدة أسباب:

        أولاً: تملكني الحياء في ذلك الوقت. ثانياً: قرب موعد الزواج. ثالثاً: احترام وتقدير لاختيار والدي. رابعاً: عدم المعرفة الجيدة لذلك الشاب، ثم توكلت على الله وتزوجت، وأنا في قرارة نفسي غير راضية بذلك الشاب، وبعد الزواج اكتشفت بعض العيوب والصفات التي جعلتني أنفر منه أكثر وأكثر، وبعد فترة لا تتجاوز الأشهر حملت منه، فجاءت المصيبة لأني لا أريده، ولا أطيقه، ولا أحبه، ولا يميل قلبي إليه. فكيف أنجب منه أطفالاً، وكيف يعيش هؤلاء الأطفال مع والدين متنافرين، فطلبت منه الانفصال فرفض، وهو لا يصدق أنني لا أحبه، وأصبحت كل يوم أكرهه أكثر وأكثر، وأقصر في حقوقه الزوجية، وذلك لغضبي المستمر منه، وبعد قلبي عنه، وعدم التآلف بيني وبينه، وعرضت مشكلتي على والدي الذي لم يكن على علم بها فأعرض وقال: عودي إلى بيتك.

        ومرت الأشهر وأنا على ذلك الحال، فأنجبت طفلاً فازددت سوءاً وكراهية له، وأنا لا أدري ماذا أفعل، لا أستطيع الانفصال وأترك الطفل للضياع، ولا أستطيع العيش معه وأنا كارهة له، مقصرة في حقوقه، وسوف يكبر الطفل ويصبح قادراً على فهم حياتنا التي لا أمل في أن تتغير؛ لأنني الآن مضى على زواجي سنة وبضعة أشهر، وأنا مصممة على نفس الرأي، ولم يتغير مني شيء، وكل ما أقوله: الله المستعان، اللهم فرجها يا رب العالمين. فأسأل فضيلتكم هل أطلب الانفصال عنه أم لا؟ وهل عليّ ذنب عندما أقصر في حقوقه رغم إنني لا أستطيع أن أؤديها على وجهها الأكمل أرشدوني أثابكم الله، وهل لوالدي الحق في منعي من الانفصال عن ذلك الزوج؟

الجواب:

        أولاً: بالنسبة إلى الأب: فالبنت أمانة في عنقه، وهو راع لها والرسول ﷺ يقول: « كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته »، إلى أن قال: « والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته ». ويكون في بيته زوجته وأبناؤه وبناته، وبما أنه راع ومسؤول عن رعيته، فواجب عليه أن يؤدي هذه الأمانة على الوجه المرضي، ولا يجوز له أن يحملها على أمر تكرهه هي، وتكون كراهتها بحق. أما إذا كراهتها بغير حق، هو ولي أمرها، وقد يكون له من النظر ما لا يكون لها. ومن المؤسف أن كثيراً من أولياء أمور النساء تكون لهم أهداف إما من ناحية المال، أو من ناحية الجاه، أو غير ذلك من الأغراض العاجلة، ولا تهمه بنته كونها تقع في أمر طيب بالنسبة لها، أو في أمر لا يكون محبوباً عندها، ويكون مصدر قلقٍ لها في حياتها، فواجب على الأب أن يؤدي هذه الأمانة على الوجه المطلوب قبل عقد النكاح، يعني: يختار لها الزوج الصالح.

        والرسول ﷺ بالنسبة للرجال قال: « إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ».

        ثانياً: بالنسبة للزوج: إذا كان الزوج متصفاً بعيوب، ككونه لا يصوم رمضان، أو لا يصلي، أو يشرب الخمر، أو يقترف المعاصي، أو يتهاون في أمور دينه على وجه العموم، فهذا لا يجوز له أن يغش البنت المسلمة، ولا يغش ولي أمرها في نفسه، بل عليه أن يعدل وضعه؛ لأنه ليس مرضياً في دينه ولا في أمانته؛ لأن علاقته فيما بينه وبين الله أمانة، وقد خان هذه الأمانة، فاختل فيه هذان الشرطان، فلا يجوز أن يقدم وهو على هذه الحالة ؛ بل عليه أن يعدل نفسه، حتى يصل إلى درجة أن يكون مرضياً في دينه وأمانته.

        وأما بالنسبة للمرأة وهو الأمر الثالث: فالمرأة إذا قام في نفسها امتناع لا تستطيع أن تسيطر عليه، ويكون هذا قبل الزواج، فواجب عليها أن تخبر ولي أمرها في واقع الأمر من ناحية موقفها، ولا يجوز لها أن تمتنع إلا إذا قام هناك محذور شرعي، ككونها تعلم أن هذا الرجل ليس مرضياً في دينه ولا في أمانته، وإذا كان عندها أمر نفسي ؛ ولكنها لا تستطيع أن تعرف أسبابه، ففي إمكانها أن تخبر والدها في واقع الأمر. هذه أمور كلها تكون قبل عقد الزواج، أما إذا حصل عقد الزواج وانتهى، فحينئذ صار كل من الزوجين أمام الأمر الواقع، فإذا كانت هذه المرأة بعد اكتشافها لزوجها أنه مرضي في دينه وفي أمانته، ولكنها لا تحبه، فالله -جل وعلا- يقول: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[1]، ويقول: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}[2]، فالله -سبحانه وتعالى- هو العالم بجميع الأمور ظاهرها وباطنها، ففي إمكانها أن تتحمل هذا الرجل، وأن تقوم بخدمته ورعايته، وتنجب منه أولاداً، وعسى أن تكون البركة في أولادها الذين تنجبهم منه.

        وبالنسبة للرجل: عندما يأخذ زوجة، ويكون على صفة من ناحية أنه لا يحبها فقط، ولكن ليس فيها نقص من جميع النواحي، فالرسول ﷺ قال: « تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ». فإذا كانت مرضية في دينها وأمانتها، فإنه يمسكها ويصبر ويحتسب؛ لأن عواقب الأمور بيد الله -جل وعلا-.

        وبالنسبة لهذه القضية العينية: ففي إمكان هذه المرأة أن تخبر ولي أمرها في واقع الأمر من جهتها هي، وفي واقع الأمر من جهة زوجها، وواجب عليه أن ينظر في أمرها النظر الشرعي، وواجب على الزوج إذا كانت فيه عيوب تقدح فيه شرعاً أن ينهي هذا الموضوع بما يقتضيه الوجه الشرعي. وبالله التوفيق.

        المذيع: شيخ عبد الله تفضلتم وركزتم على الناحية الشرعية على كون الرجل مستقيما في دينه، إذا كان كذلك فكأني بكم تقولون لهذه البنت: اصبري؟

        الشيخ: هذه البنت حسب ما ذكرته أنه ليس مرضياً في دينه ولا في أمانته، بالإضافة إلى أنها لا تحبه، ولهذا كان الكلام مركزاً على أن هذا الشخص ليس مرضيا في دينه ولا في أمانته، بالإضافة إلى أنها لا تتحمل البقاء معه، والله -جل وعلا- يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[3]، وأبلغ آية جاءت في الحرج في القرآن قوله -تعالى-: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[4] فبما أن الله -سبحانه وتعالى- لم يجعل حرجاً على خلقه في تشريعه، فكيف بالنظر للناس يطبقون الشريعة تطبيقاً يكون فيه حرج لا يمكن، يعني: حرج غير مأذون فيه شرعاً. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (19) من سورة النساء.

[2] من الآية (216) من سورة البقرة.

[3] من الآية (286) من سورة البقرة.

[4] من الآية (6) من سورة المائدة.