Loader
منذ 3 سنوات

حكم مغالاة الآباء في المهور


الفتوى رقم (1697) من المرسل السابق، يقول: عندنا مشكلة غلاء المهور، فإن الشاب يحب الشابة وهي تحبّه كذلك، ولكن الأب يطلب أغلى المهور، فهل المرأة سلعةٌ تباع وتشترى؟ وهل الزواج ميدانٌ للمنافسة؟

الجواب:

 لا شك أن المهر مشروع، ولكنه مشروعٌ على سنن العدل، والله -جلّ وعلا- يقول:"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ"[1]، والاعتدال في المهر داخلٌ في هذا الباب تحت هذه القاعدة، ومسألة غلاء المهور ليس للأب أو بمعنى أعم ليس للولي حقٌ في أن يتسبب بغلاء المهر، وليس لأم الزوجة حقٌ في أن تتسبب في غلاء المهر؛ بل على كلّ واحدٍ منهما أن يسعى إلى ما يسهّل أمر الزواج؛ بدلاً من وضع العراقيل التي تعوق الزوج إذا جاء خاطباً، فالناس ليسوا على حدٍ سواء من ناحية اليسر، والله تعالى يقول:"وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"[2].

        فهناك أمور تفرضها الأم لنفسها ولبناتها ولأخواتها، وهناك أمور يفرضها الزوج لنفسه ولإخوان المخطوبة ولأعمامها ولعماتها؛ كلّ هذا يفرض على الزوج، وهذا في الحقيقة نوعٌ من أنواع الظلم، ومُخالفٌ للعدل الذي أمر الله به، والطريقة السليمة أن الزوج يُترك على حريته من ناحية ما يقوم بتقديمه من المهر، ولا يُشرط عليه شروطٌ تكون منفّرة؛ لأن هذا قد ينشأ عنه عقوبة من ناحية تأخر زواج هذه المرأة، أو عقوبة تأتي على الشخص الذي يضع العراقيل؛ إما أن يفقد حياته، وإما أن يفقد البركة من حياته من ناحية عدم توفيقه، وإما أن يصاب بماله، أو بغير ذلك من المصائب التي تكون عقوبةً له؛ هذا من جهة الشروط الخاصة.

وأما من جهة الشروط التي تخص الزوجة أيضاً، فقد يشترطون شروطاً خاصة للزوجة يفرضونها إلى درجةِ أن الشخص لا يستطيع القيام بهذا الجانب، وبالتالي يترك الزواج، والشروط قد تكون من الزوجة، وقد تكون من ولي أمرها يشترط الشروط لها، وقد تكون من الأم، ويعتقدون أن هذا من مصلحة البنت، ومصلحة البنت هو تيسير زواجها، لا وضع العراقيل في طريق الزواج.

وهناك أمرٌ ثالث -أيضاً- مما ينشأ عنه عرقلة للزواج، وهذا الأمر هو مراسم الزواج، فهناك أمور يعملونها من التكاليف؛ إضافةً إلى ما يقترن بها من خسارةٍ ماليةٍ لعمل كثيرٍ من المنكرات في ليلة الزواج، فيستأجرون مغنية ومغنيات يأتون بهن في مكان الزواج، ويكون في وجودهنّ إحياء لهذه الليلة بالأغاني الخليعة إلى الفجر، وهذا يشترطونه شرطاً، وتكون التكاليف على الزوج، فهذا محرم لا يجوز فعله ابتداءً، والكسب الذي يؤخذ عليه حرام.

وهناك -أيضاً- تكاليف أخرى من ناحية فرض بيتٍ معين يؤخذ للزواج، أو يكون في فندق ويكلّف مبالغ طائلة، وهناك -أيضاً- أمرٌ آخر من التكاليف من ناحية الولائم، قد يشترطون عليه عدداً معيناً من الغنم، وبعضهم يذبح إبلاً ويكون هذا من باب الشرط عليه، فإذا ناقشت بعض الأشخاص الذين لهم علاقة في هذا الموضوع يقولون: هذه شروطٌ شرطها وليُ أمر الزوجة؛ كلُّ هذه الأمور ليست من الدِّين.

        والذي من الدِّين هو أن يسير الشخص على سنن العدل، فإذا جاء شخص يُرضى في دينه وأمانته فعلى ولي أمر المرأة أن يزوّجه قلّ المهر أو كثُر؛ فإذا حسنت النية من المرأة، وحسنت النية من ولي أمرها صارت النتائج حسنة، وإذا ساءت النية منها أو من وليّ أمرها؛ فإن العاقبة لا تكون حسنة، لقوله ﷺ: « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكلّ امرئ ما نوى ». وبالله التوفيق.



[1] من الآية (90) من سورة النحل.

[2] من الآية (32) من سورة النور.