Loader
منذ سنتين

شرح حديث شرار الخلق


الفتوى رقم (3729) من المرسلة ع، م، ف، من جدة، تقول: سمعت عن حديثٍ لرسول الله ﷺ يذكر فيه شرار الخلق. اشرحوا لنا ذلك الحديث.

الجواب:

 هذا الحديث فيه بيان بعض درجات الأشرار، فإن النبي ﷺ استفتح الكلام بصفة السؤال لهم، وطلبوا منه الجواب: وأتى بالدرجة الأولى من شِرار الناس، قال: « من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده؟ »[1]. الإنسان قد ينزل وحده، ويكون نزوله وحده فيه ضررٌ عليه، وقد يكون هذا الضرر من الناحية البدنية، وقد يكون من الناحية الدينية.

        فبالنظر لما يترتب على الوحدة من الأضرار، نبّه الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- على أنه لا ينبغي للشخص أن يسلك هذا المسلك، أما إذا كان الإنسان يقترن بأشخاصٍ يعود اجتماعه بهم عليه بالضرر، فلا شك أن انفراده عنهم أصلح له. أما إذا كان اجتماعه بالناس يعود عليه بالنفع، فهذا يكون انفراده مذموماً.

وقوله: "منع رفده" الإنسان قد يكون في حالة غِنى، ويكون بعض الأشخاص في حاجة إليه؛ سواءٌ كان هذا في البلد، أو كان هذا في البر، فقد يأتيه إنسانٌ مضطرٌ إلى شيءٍ من الأكل، أو ما إلى ذلك، وهو عنده ولكنه يمنعه، فمنعه هذا ليس بحق.

"وجلد عبده": المقصود من هذا العبد أن يكون مملوكاً لشخص، ويكون هذا الشخص متسلطاً عليه بحكم ولايته عليه، ونظير ذلك الإنسان الذي يتعدى على زوجته يضربها بغير حقٍ، فهذا فيه تنبيهٌ على أن الإنسان لا يتعدى على الناس بغير حق.

ثم قال ﷺ: « ألا أنبكم بشرٍ من ذلك؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: من لا يُقيل عثرةً، ولا يقبل معذرةً، ولا يغفر ذنباً ». الشخص قد يُعتدى عليه، وإذا اعتدي عليه قد يعتذر منه، فإذا اعتدي عليه واعتذر منه، فإنه لا يقبل هذا الاعتذار؛ بل يُصمم على طلب حقه ولا يتجاوز، مع أن الأمر قد يكون سهلاً، ولهذا يقول الله -جلّ وعلا-: "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"[2]؛ يعني: إن الإنسان عندما يعتدى عليه، يقابل هذا الاعتداء بالمغفرة لكن هذا موقفٌ ليس بالسهل، ولا يقوى عليه إلا أصحاب النفوس الكريمة.

ثم قال ﷺ: « ألا أنبكم بشرٍّ من ذلك؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: من لا يُرجى خيره، ولا يؤمن شره ». هذا فيه بيان أن من الناس من يغلب خيره على شرّه، ومن الناس من يغلب شرّه على خيره. فالإنسان الذي لا يرجى خيره، هذا شرّه غالبٌ على خيره، ولا يؤمن شرّه؛ يعني: لا يأتي منه خيرٌ للناس، وشرّه قد يأتي إلى الناس، فهو لا يبذل للناس خيراً من جهة؛ ولكنه مستعدٌ بأن يؤذي الناس بلسانه، ويؤذي الناس بأفعاله، فمن كانت هذه صفته، فإنه يكون من شرار الناس.

ثم قال ﷺ: « ألا أنبئكم بشرٍّ من ذلك؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: من يبغض الناس ويبغضونه ».

الإنسان مع الناس له أحوال. من هذه الأحوال:

-أن يكون محباً لهم، وهم يحبونه، وتكون هذه المحبة على طاعة الله -جلّ وعلا-، ولا شك أن هذا هو الأمر المشروع.

-وفيه صنفٌ من الناس يحب غيره، وهذا الغير يحبه؛ ولكن يكون ذلك من أجل الاتفاق فيما بينهما على أمرٍ من الأمور التي ليست بمشروعة، فيحبه لأنه يتعامل معه بالربا، أو لأنه يشرب معه الخمر، أو لأنهما يشتركان في عمل معصيةٍ من المعاصي، فتكون هذه المحبة التي بينهما محبة سببها أمرٌ محرّم، وليس سببها أمراً مشروعاً، فهذا مذموم، وهذا يبغضه أهل الخير، وهو يبغض أهل الخير؛ لأن أهل الخير لا يحبون هذا النوع، وهو لا يحبهم، فهو لا يحب إلا من كان من جنسه.

 فالمقصود أن الإنسان يكون من شرار الناس، إذا كان يُبغض الناس بغير حقٍ، وهم يُبغضونه بحقٍ؛ يعني: يشرب الخمر وهم ينكرون عليه، فيبغضهم لأنهم ينكرون عليه، وهم يبغضونه لأنه يشرب الخمر، يترك الصلاة مع الجماعة، أو يترك الصلاة نهائياً، فهم ينصحونه وهو يُبغضهم لأنهم ينصحونه، وهم يبغضونه لأنه تاركٌ للصلاة. فالمهم أن هذا داخلٌ في باب الأوامر، وفي باب النواهي.

وعلى المسلم أن يكثر من دعاء الله -جلّ وعلا- أن يوفقه لما يرضاه من القول والعمل والقصد، وأن يصرفه عما لا يرضاه من القول والعمل والقصد، فإن هذا بيد الله -جلّ وعلا-. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه عبد بن حميد في مسنده (1/225)، رقم(675)، والحارث في مسنده (2/967)، رقم(1070).

[2] الآية (35) من سورة فصلت.