Loader
منذ سنتين

حكم محاولة الانتحار من فتاة لرفضها الزواج


الفتوى رقم (4245) من المرسلة آ، تقول: فضيلة الشيخ منذ فترة أراد أهلي إجباري على الزواج من شخص لا أريده، وحاولت إقناعهم بشتى السبل أني لا أريده، وأنه ليس الإنسان المناسب لي؛ ولكنهم رفضوا، فقررت بعد أن فقدت الأمل الانتحار، وتناولت كمية كبيرة من حبوب الدواء؛ إلا أن الله تعالى رحمني، والحمد الله، ولم أمت فتبت إلى الله واستغفرت، ورحمني الله أيضاً بأن أهلي تركوا فكرة تزويجي، والحمد الله أولا وآخرا، فهل عليّ إثم في محاولة الانتحار هذه؟ وهل علي كفارة؟

الجواب:

        هذه المسألة مسألة مهمة؛ لأنها تقع في جانب من جوانب الأمور الاجتماعية، وبخاصة الأسرية، وهي مسألة إجبار الولد على تزوج فلانة، أو إجبار البنت على تزوج فلان، وهذه المسألة ينبغي النظر إليها بعين الاهتمام من جميع الأطراف المتعلقة بها من ولي الزوجة ومن الزوجة ومن الزوج، وإذا كان هناك وسيط بين الزوج وبين ولي أمر الزوجة فهو أيضاً معني فيما يخصه.

        وبيان ذلك: أن ولي المرأة خاطبه الرسول ﷺ بقوله: « إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير »، فإذا جاء الخاطب إلى ولي المرأة، فينبغي أن يعرف ولي المرأة جميع ما يتصف به هذا الشخص من صفات إيجابيه يعني حسنة، ومن صفات سلبية، من جهة علمه، من جهة عمله، من جهة أمانته، ومعاملته مع الناس، هل هو مرضي في دينه، وفي أمانته.

        وبعد ما يعرف جميع ما يدعو إلى إعطاءه، أو يدعو إلى منعه، فإنه إذا ترجح عنده المنع منعه، بدون أن يخبر البنت، وإذا ترجح عنده العطاء، فإنه يستدعي ابنته، ويشرح لها صفات هذا الشخص الداعية إلى موافقة وليها عليه، فيذكر لها ما فيه من صفات حسنة، وما فيه من صفات سيئة، وأن الصفات الحسنة أرجح من الصفات السيئة، وبعد ذلك تنظر البنت في هذه الصفات، وفي إمكانها إذا كانت مترددة أنها تستخير وتستشير أيضاً بعد الاستخارة تستخير مرة أو مرتين أو ثلاثاً، فإن اطمئن قلبها إلى الإقدام، وافقت، وإن اطمئن قلبها إلى عدم الإقدام، فإنها لا توافق، وتخبر ولي أمرها بذلك.

        وبالنظر للزوج لا ينبغي أن يصر على أنه لا يريد إلا بنت فلان، وكذلك الولي لا ينبغي أن يصر على أن يزوج ابنته فلاناً، وإذا لم تتزوجه، فإنه سيتركها بدون زوج عقوبة لها، فالحياة مبنية على التفاهم، وعلى العدل، وعلى الإنصاف.

        وهكذا بالنظر إلى الوسيط، لا يكون وسيطاً يترتب على وساطته ضرر بالنسبة للزوج، أو بالنسبة للزوجة.

        هناك دواعي للإجبار؛ من هذه الدواعي حب المال، أو حب السيطرة؛ يعني فرض الشخصية، وهذان السببان ليسا مشروعين؛ بمعنى: أنه لا ينبغي أن يكون الدافع للولي هو فرض شخصيته على ابنته، ولا يكون الدافع حب المال، ولا ينبغي أيضاً من جهة البنت أن تفرض نفسها، وتقول: أنا لا أريد إلا فلاناً ولو كان خبيثا، بل يكون المبدأ هو التفاهم، ومعرفة الواقع،والسير على الطريقة الشرعية. وكذلك لا ينبغي الإصرار، فيقول لأبيه مثلاً: أنا لا أريد إلا بنت فلان وإلا تركت الزواج، هي لا تريده لأنها تعلم عنه أمور ليست بطيبة.

        فالمقصود: أن الأساس والقاعدة في هذا، هو قوله ﷺ: « من ترضون دينه وأمانته فزوجوه »، فيكون هذا الحديث هو المنطلق بالنسبة لولي المرأة وبالنسبة للمرأة؛ بمعنى: أنها لا تتمنع عن المرضي في دينه وأمانته من أجل نواحي نفسيه، وكذلك بالنظر للزوج لا يلح إذا كان غير مرضي في دينه وفي أمانته.

        أما هذه القضية بعينها، فهذه السائلة لم تذكر الأمور التي جعلتها تمتنع عن هذا الشاب، ولم تذكر الأمور التي جعلت أهلها يصرون على تزويج هذا الشاب.

        وأما ما فعلته من جهة التسبب بالانتحار، فلا شك أن هذا كبيرة من كبائر الذنوب، معصية تحمد ربها الذي أنقذها بحيث أن هذه الحبوب لم تكن سبباً كافياً في موتها، وتحمد ربها أيضاً على أن هذا الإجبار لم يتحقق، وتتوب إلى الله فيما بينها وبين ربها تندم على فعلها، وتعلم أن هذا ذنب عظيم، وتعزم على أن لا تعود إلى مثله، وبالله التوفيق.