Loader
منذ سنتين

حكم الالتزام باتباع أحد المذاهب ، وهل يعد آثماً من لم يلتزم بمذهب معين؟


  • التقليد
  • 2022-05-02
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (811) من المرسل س.ص من المغرب، يقول: هل الالتزام باتباع أحد المذاهب يجب على المسلم، وهل يعد آثماً من لم يلتزم بمذهب معين؟

الجواب:

الناس يختلفون من جهة ما لديهم من الكفاءة العلمية:

فقد يكون الشخص قادراً على معرفة الأحكام الشرعية عن طريق أدلتها على أساس القواعد التي قعدّها بنفسه، وهي قواعد شرعية، وكل واحد الأئمة الأربعة وضع لنفسه قواعد، واستنبط الفروع الشرعية من أدلتها.

فالشخص الذي يكون بهذه المثابة، ليس عليه أن يتقيد بمذهب من المذاهب؛ يعني: يتقيد بالطريقة التي سار عليها، وهذا النوع يسميه العلماء بالمجتهد المطلق.

ومن الناس من تكون كفاءتهم العلمية كفاءة مقيدة من جهة، ومطلقة من جهة أخرى: تكون مقيدة من جهة أنه يتبع إماماً من الأئمة في قواعده، وتكون مطلقة من جهة أنه قد يخالفه في الفروع، وهذا متحقق في بعض اتباع كلّ إمام من الأئمة الأربعة. وقصدي بالاتباع الذين أخذوا أخذاً مباشراً عن الإمام، فهم متقنون لقواعده، ويستنبطون من الأدلة الشرعية على وفق قواعد إمامهم؛ لكنهم قد يخالفونهم في بعض الفروع، وهذا يسميه بعض العلماء بمجتهد الفتوى.

ومن العلماء من تكون كفاءته أنه يتقن قواعد إمامه، ويستنبط من الأدلة على وفق قواعد إمامه، ولا يخالفه في شيء منها، وهذا يسمونه بمجتهد المذهب؛ يعني: إنه متفق مع إمامه في قواعده، وفي التفريع على القواعد، فهذا يكون في الحقيقة تابعاً لإمامه في قواعده، ويكون تابعاً له من ناحية استنباط الفروع على وفق القواعد.

ومن الناس من تكون كفاءته أنه ينظر فيما ورد عن الإمام مثلاً، ما ورد عنه في المسألة من الأقوال، ويرجّح من أقواله ما يقتضيه الدليل على حسب مقتضى قواعد الإمام، وهذا يسمونه بمجتهد الترجيح.

ومنهم من تكون كفاءته مجرد نقل وجمع لعلم من سبقه من أهل العلم؛ ولكنه لا ينظر فيها؛ يعني: ليس له إلا الجمع فقط.

ومن العلماء من تكون كفاءته أنه يخرج على قواعد إمامه، هو متقيد بإمام، ويخرج على قواعد إمامه.

        فهذه جملة وأمثلة في الحقيقة من كفاءات العلماء، والشخص ينظر إلى نفسه، فإن كان أهل لأخذ الأحكام من أدلتها ولا يقصره شيء في ذلك، فلا يحتاج إلى أن يتقيد بمذهب من المذاهب؛ وإنما يأخذ بما أيده الدليل. وإن كان لا يستطيع فعليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم إذا تمكن أن يتصل بهم إذا وقعت به نازلة. وأنصحه أن يتعلم؛ لأن كثيراً من الشباب يتركون التعلم مع قدرتهم عليه.

ومن جهة أخرى تحتاج لتنبيه أن كثيراً من الأشخاص يضع نفسه في غير موضعها العلمي، فتكون عنده نسبة قليلة من العلم؛ ولكن يضع نفسه موضع المجتهد المطلق، وهو لا يعرف القواعد، ولو سألته عن الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، والمجمل والمبين، وغير ذلك مما هو من عوارض الأدلة لما عرفه، ولو سألته عما يتعلق بالدليل من جهة الاحتجاج به أو عدمه لما أجابك، ولو سألته عمّا يعرض بالدليل من جهة طريقه؛ كالعوارض التي تعرض للدليل من السنة من الإرسال والاعضال في السند؛ وكذلك الانقطاع إلى غير ذلك من العوارض لما عرف شيئاً من ذلك، ولو سألته عما يحتاج إليه العالم من أمور اللغة من النحو والصرف، وعلم البلاغة، وعلم الاشتقاق، وفقه اللغة، وعلم الوضع إلى غير ذلك من الأمور التي يحتاجها العالم لما أجابك بشي عن ذلك؛ فيضع نفسه موضعاً علمياً غير لائق به من جهة موقعه، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه. ومن أجل ذلك يقول الله -جلّ وعلا-: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"[1]، ويقول -جلّ وعلا-: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ"[2]، وذكر الله -جلّ وعلا- من الأمور المحرمة: القول عليه بغير علم.

فعلى الشخص أن يعرف حقيقته العلمية أولاً، وبعد ذلك يعرف الحقيقة العلمية التي ينبغي أن يُستند عليها، وأن ينطلق منها لمعرفة الأحكام، وبعد ذلك بإمكانه أن يعرف حقيقته مقارنة بالواقع، ثم بعد ذلك إما أن يقدم على استنباط الأحكام من الأدلة إذا كان أهلاً، أو أنه يزداد تعلم من جهة، ويسأل أهل الذكر فيما جهله من جهة أخرى.

وإنما وسّعت الجواب عن هذه النقطة نسبياً لسبب وهو أنه يوجد كثير من الأشخاص لا يعرفون قدر أنفسهم بالنظر إلى أنهم يضعون أنفسهم في غير موضعها. والإشارة في ذلك فيها كفاية. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (43) من سورة النحل.

[2] من الآية (36) من سورة الإسراء.