Loader
منذ سنتين

شرح حديث: « لا يرد القدر إلا الدعاء »


الفتوى رقم (3655) من المرسل السابق، يقول: اشرحوا لنا قول الرسول ﷺ: « لا يرد القدر إلا الدعاء »[1].

 الجواب:

الدعاء سببٌ من الأسباب، وهو من الأسباب الشرعية، وذلك أن الأسباب قد تكون كونيةً، وقد تكون شرعية، والعلاقة بين السبب والمُسبب من جهة الوقوع أو عدم الوقوع، هذا راجعٌ إلى الله -جلّ وعلا-، فالإنسان يدعو والدعاء سببٌ شرعي وقد أخذ به. لكن هل يترتب على مقتضاه حتم؛ بمعنى: إذا دعوت الله فإنه الله يجيبك حتماً. قد يكون هناك موانع للدعاء يعلمها الله -جلّ وعلا- ولكنك أنت لا تعلمها. فعلى سبيل المثال: يكون مأكل الداعي حراماً، مشربه حراماً، ملبسه حراماً، فهناك موانع تمنع أن يترتب على الدعاء الأثر وهو الإجابة.

الإنسان المريض يدعو الله أن يشفيه من هذا المرض، الإنسان الفقير يدعو الله أن يغنيه وهكذا؛ لأن النتائج التي يرجوها الشخص من دعائه كثيرةٌ، فإذن ليس هناك تلازمٌ بين الدعاء، وبين المُسبب الذي هو حصول المطلوب، ولهذا الله -جلّ وعلا- قال: "ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"[2]، والرسول -صلوات الله وسلامه عليه- قال: « لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله ». والعمل سببٌ من صلاةٍ، وصيامٍ، وزكاةٍ، وحجٍ، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، وترك الأمور المحرمة لوجه الله؛ كلّ هذه أسباب رضا الله -جلّ وعلا-، فالرسول ﷺ قال: « لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمّدني الله برحمته ».

        وهكذا بالنظر للأسباب الكونية، فالأسباب الكونية قد يحصل السبب ولا يترتب عليه مقتضى، فمثلاً: ينزل المطر ولكن لا تنبت الأرض، وذلك لحكمةٍ من الله -جلّ وعلا-. فالمهم أنه ليس هناك تلازمٌ مطلقٌ بين السبب وبين المُسبب؛ بل الله -سبحانه وتعالى-  إن شاء رتّب المُسبب على السبب، وإن شاء لم يرتّبه عليه. فالإنسان مع الأسباب له ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يعتمد على الأسباب، وينصرف عن الله -جلّ وعلا-، وهذا قدحٌ في التوحيد.

والحالة الثانية: أن يترك الأخذ بالأسباب مطلقاً، وهذا قدحٌ في العقل.

والحالة الثالثة: أن يأخذ بالأسباب، مع اعتقاده أن نتائج هذه الأسباب ترجع إلى الله -جلّ وعلا-، فإن شاء رتّب عليها آثارها، وهو حصول المطلوب كلّه، أو حصول بعضه؛ وإن شاء لم يُرتّب عليها آثارها. فهو إذا رتّب آثارها عليه فذلك لحكمة، وإن لم يرتّب عليها آثارها فذلك لحكمة، لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون. وهذا الحديث: « لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر ». الأشياء المقدرة الأزلية كما جاءت بها الأدلة لا تتغيّر عن علم الله -جلّ وعلا-، فإن الله لما خلق القلم قال له: اكتب، فقال: وما أكتب؟ فقال: اكتب ما هو كائنٌ إلى أن تقوم الساعة.

والقدر سرّ الله في خلقه، فالناس ليس لهم علمٌ بالمقادير التي قدرها؛ ولكن هذا فيه ترغيبٌ للناس بالدعاء، وفيه ترغيبٌ لهم في البر، ولكن -كما سبق- ليس هناك أمرٌ حتميٌ في التلازم بين الأسباب ومسبباتها، وإنما ذلك راجعٌ إلى الله. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الإيمان، باب في القدر (1/35)، رقم (90).

[2] من الآية (32) من سورة النحل.