Loader
منذ سنتين

حكم من يقول ان ابن تيمية مشبّه، ويستدل بقول ابن بطوطة في رحلته؟


الفتوى رقم (11548) من المرسل السابق، يقول: ما رأيك فيمن يقول: إن شيخ الإسلام "ابن تيمية" مشبّه، مع العلم أن من يقول هذا هو أستاذ في الجامعة ومن أهل العلم. وقد استدل بقول ابن بطوطة في رحلته؟ فنرجو الإفادة.

الجواب:

        قاعدة أهل السنة والجماعة في باب الإيمان بالله هو: الإيمان بالله بذاته وبأسمائه وبصفاته على الوجه الذي يليق به.

        وشيخ الإسلام -رحمه الله- هو إمام من أئمة أهل السنة والجماعة. والله -سبحانه وتعالى- يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[1].

        ومن المعلوم أن هناك فرق بين المشابهة والمماثلة، فالمماثلة تكون مساواة بين أمرين من جميع الوجوه، متماثلان من ناحية الحكم ومن ناحية العلة.

        أما بالنظر إلى صورة الشيء فعندما تقول: هذا مثل هذا؛ أي: إنه يساويه من جميع الوجوه.

        أما إذا قلت: إن هذا يشبه هذا فإنه يشبهه من بعض الوجوه؛ ولكن قد يختلف عنه من بعض الوجوه.

        وبناء على ذلك كله: فالواجب على الشخص في باب الإيمان بالله -جلّ وعلا- أن يعتقد ما قاله الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسل الله وما جاء من رسل الله على مراد رسل الله -جلّ وعلا-".

        أما بالنظر إلى قدح العلماء بعضهم ببعض سواء كانوا متعاصرين، أو كان المتأخر ينتقد المتقدم؛ فمن المعلوم أن المقارنة بين مراد القائل من قوله وفهم المراد من قول هذا القائل له أربع حالات:

        الحالة الأولى: أن يكون فهم المراد مطابقاً للمراد تماماً، ولهذا الرسول ﷺ قال: « إذا اجتهد الحاكم فأصاب »؛ يعني: أصاب حكم الله -جلّ وعلا- في المسألة، فهذا فهمه لمراد الله -جلّ وعلا- تطابق مع الحكم الذي حكم به.

        والحالة الثانية: أن يكون فهمه مخالفاً تماماً لمراد المتكلم. وإذا كان مخالفاً لمراد المتكلم فلا يصح أن يُلِزم المتكلم بفهمه ويقول له هذا هو مراده.

        والحالة الثالثة: أن يكون فهم المراد أعم من المراد، فتكون النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق؛ بمعنى: أن المراد أخص، وأن فهم المراد أعم.

        والحالة الرابعة: أن يكون أيضاً فهم المراد أخص من المراد -عكس الأول- فيكون المراد أعم؛ ولكن الذي سمع أو قرأ هذا الكلام يفهمه فهماً على وجه خاص، فتكون النسبة بينهما أيضاً العموم والخصوص المطلق؛ بمعنى: أن فهم السامع أخص من مراد المتكلم، وأن مراد المتكلم أعم من فهم السامع.

        والحالة الرابعة[2] أن تكون النسبة بينهما العموم والخصوص الوجهي؛ بمعنى: إنهما يتفقان من وجه، ويختلفان من وجه آخر.

        وبناء على ذلك إما أن يتوافقا، وإما أن يتباينا، وإما أن تكون النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق، أو تكون النسبة بينهما العموم والخصوص الوجهي.

        فكلام ابن بطوطة في فهمه لمراد شيخ الإسلام، مراد شيخ الإسلام -رحمه الله- في جهة، وفهم ابن بطوطة -رحمه الله- في جهة أخرى.

        ولا يُلزم كلام شيخ الإسلام عندما يُفهم من كلامه فهماً على غير مراده. لا يجوز أن يُلزم به وهكذا غيره؛ لأن الكلام الذي ذكرته هو قاعدة عامة بالنظر إلى العلاقة بين فهم السامع وبين مراد المتكلم من كلامه. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (11) من سورة الشورى.

[2] هكذا ذكرها الشيخ رحمه الله.