Loader
منذ سنتين

الجمع بين حديث « يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر » وحديث: « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها »


الفتوى رقم (11247) من المرسل من مكة المكرمة في حديث الرسول الله ﷺ الذي يرويه عن ربه: « يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار » ورسول الله ﷺ يقول: « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله »، فكيف يمكن الجمع بين الحدثين؟

الجواب:

        الله -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل، وأنزل الكتب، والناس الذين وجّهت إليهم الدعوة من الرسل انقسموا إلى قسمين:

القسم الأول: آمنوا بهم وهؤلاء يقال عنهم أمة الإجابة.

والقسم الثاني: بلغتهم الدعوة؛ ولكنهم لم يقبلوها.

        وهذه الكتب مشتملة على ما يحتاجه الناس في أمور دينهم وفي أمور دنياهم وفي أمور آخرتهم، فيها بيان الحلال وبيان الحرام.

        فعندما نأتي إلى مجال التطبيق نجد أن الناس في التطبيق على أصناف:

        الصنف الأول: من قبل هذه الدعوة ظاهراً وباطناً وهؤلاء هم الذين تصدق عليهم أنهم أمة الإجابة، هؤلاء لا يحصل منهم من أذى؛ لأنهم امتثلوا أوامر الله ونواهيه على الوجه الذي يريده.

        الصنف الثاني: خالفوه باطناً وظاهراً، وهؤلاء هم الكفار والمشركين، فهؤلاء يؤذون الله جل وعلا -وهو غني عنهم- لكن يحصل منهم أمور تعارض القضاء والقدر ومن ذلك أنهم يسبون الدنيا، وما يحصل منهم من اللعن وما إلى ذلك فهذا بلا شك اعتبره الله -سبحانه وتعالى- اعتبره أذى من جهة أنهم لم يتقيدوا بالتشريع في هذا، ولهذا الرسول كان يقول « اللهم رضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تقديم ما أخرت ولا تأخير ما قدمت »، وهذا الصنف عندما لا تأتي الأمور على حسب المزاج يأتي منه السب واللعن وما إلى ذلك.

        والصنف الثالث: هؤلاء مؤمنون بألسنتهم ولكنهم كفار في قلوبهم، وهؤلاء أقبح من القسم السابق، وإن كانوا جميعاً في النار، كما قال جل وعلا {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[1] وهؤلاء كأولئك عندما لا تأتي الأمور على الوجه الذي يريدونه.

        وبناء على ذلك نأتي إلى « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ».

        المقصود منها أن أمور الدنيا من جهة أعمال الناس؛ أعمالٌ مرضية لله، وأعمال مسخطة لله.

        فالأعمال المرضية لله هذه لا تتناولها الدعوة باللعن، وأما الصنف الثاني من الأعمال وهي المخالفة؛ مخالفة أوامر الله ومخالفة أوامر رسوله ونواهيه، فيتركون الأمور المأمور بها على وجه الوجوب ويفعلون الأمور التي على وجه التحريم، هؤلاء هم الذين يدخلون في هذه اللعنة، وبالله التوفيق.



[1] من الآية (145) من سورة النساء.