ما المراد بدعوة بتجديد الخطاب الديني، وما الهدف منها؟
- مقدمة أصول الفقه
- 2022-03-04
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (11774) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: هناك دعوة قائمة إلى ما يسمى بتجديد الخطاب الديني، ما الهدف من وراء هذه الدعوة؟ وما مرادها؟
الجواب:
من مبادئ هذه الشريعة الكمال، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[1]، فهذه الشريعة كاملة فيما يحتاج إليه الإنسان في أمور آخرته، وما يحتاج إليه في أمور دينه، وما يحتاج إليه في أمور دنياه.
ومن مبادئ هذه الشريعة العموم. ومعنى العموم أن هذه الشريعة عامة للإنس وللجن، كما قال -تعالى-: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[2]، وقوله -جل وعلا-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[3]، وقوله ﷺ: « بعثت إلى الأحمر والأسود وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة ». وقال ﷺ: « ما من يهودي ولا نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ». ولما رأى الرسول ﷺ ورقة من التوراة في يد عمر بن الخطاب-رضي الله عنه قال: « ما هذا يا بن الخطاب؟ قال: هذه ورقة من التوراة، قال: أفي شك يا ابن الخطاب؟ لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي ».
ومعلوم أن عيسى ﷺ ينزل في آخر الزمان ويحكم بشريعة الرسول ﷺ.
ومن مبادئ هذه الشريعة الثبات ؛ بمعنى: أنها ثابتة في جميع أصولها.
ومن المعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- حينما أوحى إلى رسوله بالقرآن: جبريل أخذه عن الله، والرسول ﷺ أخذه عن جبريل، كان جبريل يدارس الرسول ﷺ القرآن في كل سنة مرة. وفي آخر سنة دارسه القرآن مرتين؛ بمعنى: إن جبريل يقرأ والرسول يسمع، ثم يقرأ الرسول ﷺ، وجبريل يسمع؛ وذلك من أجل تحقق ثبوت القرآن عند الرسول ﷺ.
ومن المعلوم أن الرسول ﷺ تكلم في السنة. والسنة هي الوحي كما قال جل وعلا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[4]؛ فالله -سبحانه وتعالى- تكلم في القرآن وهو يريد المعنى. والرسول ﷺ تكلم في السنة وأيضاً هو يريد المعنى.
وبناء على ذلك: فإذا نظرنا إلى القرآن وجدنا أن القرآن يفسّر بعضه بعضاً، وأن السنة يفسّر بعضها بعضاً. وأن السنة تكون مفسرة للقرآن، أو تكون مؤكدة له، وقد تكون زائدة.
فإذن مراد الله من القرآن ومراد الرسول ﷺ هما اللذان يبحث عنهما العلماء المكلفون. ومن المعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- قال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[5].
والناس يتفاوتون في قدراتهم العلمية، وفي فهمهم لكلام الله وكلام الرسول ﷺ، وفي توفر الوسائل التي تعينهم على فهم القرآن وعلى فهم السنة. وهذه الوسائل منها ما يكون وسائل من ناحية المفردات، أو من ناحية التركيب، ومنها ما يكون خاصاً بالقرآن، ومنها ما يكون خاصاً بالسنة، ومنها ما يكون مشتركاً بين القرآن والسنة.
ولابد أن الشخص الذي ينظر في القرآن وينظر في السنة أن تتوفر لديه هذه الوسائل، ففيه فقه اللغة وعلم التصريف وعلم الاشتقاق هذا من ناحية المفردات. وفيه أيضاً علم النحو وعلم البلاغة هذا من ناحية الجمل؛ وكذلك من ناحية معرفة رسم القرآن، ومعرفة القراءات، وكذلك معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن؛ وكذلك أسباب النزول، ومشكل القرآن، وعلوم القرآن بوجه عام؛ وكذلك معرفة أصول الفقه فإن أصول الفقه ميزان للاستنباط من القرآن والسنة؛ وكذلك معرفة مقاصد الشريعة.
وهكذا بالنظر إلى معرفة السنة من ناحية علم الرواية، وعلم الدراية، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، ومعرفة أسباب ورود الحديث ومشكل الحديث وما إلى ذلك.
فإذا كان الإنسان عنده قدرة يستطيع أن يفهم بها من القرآن والسنة على الوجه الذي يرضي الله -عزوجل- فحينئذ يكون فهمه مقبولاً؛ لأن الرسول ﷺ أمر معاذاً بأن يجتهد فأخبره بأنه إذا أصاب له أجران، وإذا أخطأ له أجر واحد: أجر على اجتهاده وخطؤه معفو عنه.
لكن المشكلة هي أنه في وقتنا الحاضر كثير من الناس الذين يتخبطون ويدعون إلى تجديد مفهوم الخطاب الشرعي يمكن أن الواحد ما يحسن صلاته، ولا يحسن وضوءه؛ لكن بعض الناس يريد أن يبرز نفسه، وإلا فما معنى مفهوم الخطاب الشرعي؟
هل نلغي ما فهمه الرسول ﷺ، وما فهمه الخلفاء الأربعة، وما فهمه الصحابة -رضي الله عنهم-؛ يعني: هل نلغي مفهوم الرسول ﷺ ومفهوم القرون المفضلة الذين شهد لهم الرسول ﷺ فقال: « خير القرون قرني ثم الذين يلونهم... ».
ثم نأتي في القرن الخامس عشر ونجد شخصاً لا يتخلّق بأخلاق الإسلام ومع ذلك يدعو إلى تجديد مفهوم الخطاب الشرعي. هو لم يفهم الخطاب الشرعي من الصحابة ومن التابعين وأتباع التابعين؛ لكنه يريد أن يلوي النصوص ويجعلها سائرة على حسب رغبات الناس. ولا شك أن هذا أمر فيه شيء من الصعوبة.
وأنا قد اطلعت على بعض المؤلفات اطلاعاً ليس كاملاً؛ لكن يؤسفني أنه يوجد من يدعو إلى هذا المبدأ وهو الانتقال من مفهوم الرسول ﷺ، ومفهوم الصحابة ومفهوم التابعين مع أنه فيه نصوص كثيرة لا يجوز تجاوزها بأي حال من الأحوال، وفيه باب العبادات؛ يعني: جميع المسائل التي الأصل فيها التوقيف هذه لا يجوز للإنسان أن يتجاوزها. أما ما كان الأصل فيه التعليل فإذا كان فيه أدلة موجودة فإنه يقتصر على الأدلة؛ أما إذا كان في مسائل تحتاج إلى شيء من الاجتهاد فإنها توكل إلى من هو مؤهل للاجتهاد. وبهذه الطريقة يسلم الفرد وتسلم الأمة. وبالله التوفيق.