Loader
منذ سنتين

يتوب ثم يرجع ثم يتوب، ثم يرجع ما حكم هذه التوبة؟ ومعنى حديث أن من شرب الخمر لم يقبل الله منه شيئاً أربعين ليلة؟


الفتوى رقم (11025) من المرسل السابق، يقول: بالنسبة للتوبة من بعض الذنوب تغلبني نفسي ويغلبني الشيطان واقترف هذه الذنوب ثم أتوب ثانية، ثم ارجع ثم أتوب ما الحكم في هذه التوبة؟ وهل الرجوع إلى نفس الذنب له حد أقصى من عدد التوبات، وقد قرأت حديثاً عن الرسول أن من شرب الخمر لم يقبل الله منه شيئاً أربعين ليلة، فإن مات فيها مات كعابد وثن، وسقاه من طينة الخبال..."[1] ما معنى الحديث؟ وما مدى صحته؟ وهل لو مات خلال الأربعين يوماً بعد توبته يعتبر وثنياً؟

 الجواب:

        من المعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- أباح الطيبات من الأقوال والأفعال والمآكل والمشارب والمساكن والأشخاص؛ وكذلك حرم الخبائث، ولا فرق في الخبائث؛ سواء كان قولاً، أو فعلاً، أو مأكولاً، أو مشروباً، أو ما إلى ذلك. ومن ذلك الخمر وجاء تحريمها في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)}[2].

        فهي محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وما ذلك إلا لما لها من الآثار السيئة؛ لأن الشخص عندما يشربها تزيل عقله، ويتصرف تصرفات تضر نفسه وتضر غيره، فقد يحصل منه القتل، وقد يحصل منه الضرب، يحصل منه مفاسد عظيمة، فلا يجوز للإنسان أن يشربها.

        أما بالنظر لمسألة هذا الشخص وكونه يتوب ويرجع، فلا بدّ أن يكون على علم من شروط التوبة، وشروط التوبة من الحق إذا كان لله أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم على أنه لا يعود إليها هذه ثلاثة شروط: الإقلاع، والندم، والعزم على أنه لا يعود إليها. ويكون هذا مستقراً في قلبه؛ لكن إذا كان يتوب لسانه يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، وفي نيته أنه يعود إليها فهذه ليست بتوبة، فهذه توبة كاذبة، توبة باللسان وليست توبة بالقلب.

        وإذا كان الحق من حقوق المخلوقين: فإن كان مالياً فإنه يرده إليهم، وإذا كان غير مالي فإنه يستبيحهم إن قدر على ذلك، وإلا فإنه يدعو لهم ويتصدق لهم حتى يغلب على ظنه أنه كافأهم عن الحق الذي علق في ذمته من جهتهم.

        أما بالنظر إلى أن الشخص عندما يرجع ويتوب ويرجع ويتوب، لا يقول: بما أني أتوب وأرجع وأتوب وأرجع لا فائدة من هذه التوبة، ثم يستمر على المعاصي ويستولي عليه الشيطان. عليه أن يكثر من دعاء الله -جلّ وعلا- وأن يتضرع إليه بين يديه؛ وبخاصة في آخر الليل فيسأل الله -تعالى- أن يصرف عنه النفس الأمارة بالسوء من جهة، والهوى من جهة، والشيطان من جهة أخرى. وإذا كان له قرناء من قرناء السوء فإنه يبعد عنهم، ويحرص على أن يقترن بقرناء صالحين. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البزار في مسنده(6/366)، رقم(2380)، دون لفظ: "وسقاه من طينة الخبال"، وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر(3/327)، رقم (3680)، والنسائي في سننه، كتاب الأشربة، باب توبة شارب الخمر(8/317)، رقم (5670)، دون لفظ: "فإن مات فيها مات كعابد وثن".

[2] الآيتان (90-91) من سورة المائدة.