Loader
منذ سنتين

شرح حديث « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ». وحديث: « ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة »


الفتوى رقم (8419) من المرسلة السابقة، تسأل عن قول النبي ﷺ: « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ». وحديث: « ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ».

الجواب:

        بدأ الإسلام غريباً؛ فمن المعلوم أن مراحل دعوة الرسول ﷺ كانت المرحلة الأولى سراً، ولا شك أن هذا هو بدء الغربة، كانت سراً، ثم بعد ذلك صار يدعو جهراً ولا يعاقب من يعتدي عليه، ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم

        ثم جاءت بعد ذلك المرحلة الرابعة وهي مشروعية الجهاد، فلاشك أن المرحلة الأولى مرحلة غربة والثانية مرحلة غربة والثالثة أيضاً مرحلة غربة وإن كانت مراتب الغربة مختلفة.

        ثم بعد ذلك انتشر الإسلام إلى ما شاء الله -جل وعلا-، ولهذا يقول ﷺ: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » قال الراوي فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، ويقول الرسول ﷺ: « الخلافة بعدي ثلاثون ثم تكون ملكاً »[1]، إلى غير ذلك من الأدلة.

        فبدأ الإسلام غريباً، ثم بلغ أشده ونهايته ثم بدأ يضعف، وهناك أثر عن بعض الصحابة أنه قال: « إنكم في زمان قليل قراؤه كثير فقهاؤه، كثير من يعطي، قليل من يسأل، تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه، يطيلون الصلاة، ويقصرون الخطبة، وسيأتي زمان كثير قراؤه قليل فقهاؤه، كثير من يسأل، قليلٌ من يعطي، تحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده، يطيلون الخطبة ويقصرون الصلاة ».

        والناس في تحول عن هذا الدين، ولهذا يقول الرسول ﷺ: « إن من إقبال هذا الدين أن تتفقه القبيلة بأسرها فلا يبقى فيها الا الفاسق والفاسقان ذليلان فيها، إن تكلما قهرا واضطهدا، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه والفقيهان فهما ذليلان إن تكلما قهراً واضطهداً »[2].

        وإذا نظرنا إلى واقع الناس اليوم وجدنا أن هذا الواقع مؤلم، يتحقق فيهم قول الله -جل وعلا- {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[3] وقوله -جل وعلا- {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[4].

        أما حديث افتراق اليهود والنصارى وأن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».

        وإذا نظرنا إلى واقعنا الآن وأردنا أن ننظر في الأشخاص الذين تتحقق فيهم هذه الصفة، يكونون متمسكين كما تمسك الرسول ﷺ وكما تمسك خلفاؤه وأصحابه فإننا لا نجد إلا قليلاً وبالله التوفيق.



[1] أخرجه ابن حبان في صحيحه(15/392)، رقم(6943).

[2] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير(8/198)، رقم(7807).

[3] من الآية (116) من سورة الأنعام.

[4] الآية (103) من سورة يوسف.