Loader
منذ سنتين

شرح عبارة: « أنتم في زمانٍ كثيرٌ فقهاؤه قليلٌ قرّاؤه »


الفتوى رقم (10212) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: قول ابن عمر م للصحابة: « أنتم في زمانٍ كثيرٌ فقهاؤه قليلٌ قرّاؤه ». أرجو من فضيلتكم توضيح هذا وما يحصل في زماننا من إطالة بعض الأئمة الخطب وتقصير الصلاة هل هذا من كثرة القراء؟

الجواب:

        هذا الأثر ذكره مالك في الموطأ. وابن عمر -رضي الله عنه- قال يصف زمن الصحابة: « إنكم في زمانٍ كثير فقهاؤه قليلٌ قراؤه، كثيرٌ من يعطي قليل من يسأل، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، يطيلون الصلاة ويقصرون الخطبة » هذه ثمان صفات، وهذا تنبيهٌ على ما سيأتي في آخر الزمان.

        فإذا نظرنا إلى الجزء الأول من هذا الكلام:

        إنكم في زمانٍ كثير فقهاؤه: هذا دليل عل وفرة الفقه في زمن الصحابة -رضي الله عنهم- وقلة المخالفين - كثيرٌ فقهاؤه قليل قراؤه - بمعنى أن الفقه كثير - كثير من يعطي- المقصود من هذا كثرة المفتين، ووفرة المعلمين على وجه صحيح. قليلٌ من يسأل - هذا فيه قلة المخالفة من الصحابة -رضي الله عنهم- وهذا يدل على مبالغة التزامهم في هدي الرسول ﷺ. وقوله: تحفظ فيه حدود القرآن وتضّيع حروفه - قصده من هذا أنهم يركزون على العمل بما دلّ عليه القرآن؛ وهكذا ما دلت عليه سنة الرسول ﷺ وقراءتهم للقرآن هي قراءة تعبدٍ لكنهم لا يضيعون الأحكام ويهتمون بالألفاظ. وبعد ذلك ذكر أنهم يطيلون الصلاة؛ يعني: صلاة الجمعة، ويقصرون الخطبة، ولهذا النبي ﷺ قال: « إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنةٌ من فقهه »[1].

        وقد ذكر لي شخصٌ أن خطيباً خطب في مسجد وأنه قرُب وقت العصر ولم ينته من الخطبتين! وهذا لا شك أنه هو المقصود؛ وإنما الخطيب يحدد مشكلة من المشاكل الواقعية، أو يحدد جانباً من جوانب الشريعة يريد أن يبين أحكامه للحاضرين ويقتصر بقدر الاستطاعة.

        أما بالنظر إلى الجانب الثاني: (وسيأتي زمانٌ كثيرٌ قراؤه) كثيرٌ قراؤه؛ يعني: إنهم يهتمون بالتعلم، ولكنهم لا يدركون كما كان الإدراك في عصر الصحابة -رضي الله عنهم- ولهذا قال: كثيرٌ قراؤه؛ يعني: ينتشر العلم انتشاراً واسعاً جداً؛ ولكن قال: قليلٌ فقهاؤه؛ يعني: يقل المدرك الإدراك الصحيح. وبعد ذلك قال: كثيرٌ من يسأل، هذا يدل على كثرة المخالفات التي تحصل من الناس؛ سواءٌ كانت مخالفاتٌ في العقائد، أو مخالفات في الأقوال، أو في الأفعال، أو في التصرف في الأموال أو غير ذلك. كثيرٌ من يسأل، قليلٌ من يعطي؛ بمعنى: إنك إذا أردت إذا احتجت إلى كشف مسألة من المسائل وقعت لك وأردت الاهتداء إلى حكم الله فيها فإنه يندر أن تقع على شخصٍ يفتيك في هذه المسألة. كثيرٌ قراؤه قليلٌ فقهاؤه، كثيرٌ من يسأل قليلٌ من يعطي، تحفظ فيه حروف القرآن وتُضيع حدوده؛ يعني: إنهم يهتمون بصناعة اللفظ من ناحية حسن القراءة؛ ولكنك تجد الشخص يقرأ القرآن ويخالفه، فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، فهم لا يهتمون بالتطبيق؛ وإنما يعتنون بالقرآن من ناحية الأداء كما هو موجود الآن، ثم بعد ذلك -يطيلون الخطبة ويقصرون الصلاة- فتجد أن الخطبة تستغرق ساعة أو أكثر؛ ولكنه عندما يصلي تجد أنه يخفّف القيام والركوع والسجود والقراءة.

        فالمقصود أن هذه الصفات الثمان هي موجودة في عصرنا الحاضر، وهي مخالفة للصفات الموجودة في عصر الصحابة -رضي الله عنهم-. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة(2/594)، رقم (869).