Loader
منذ 3 سنوات

حكم زواج الرجل من امرأة لا تصلي ووالداها لا يصليان أيضاً


الفتوى رقم (1375) من المرسل أ. س من اليمن الجنوبي - عدن، يقول: تزوجت من فتاة لا تصلّي، ووالداها لا يصلوا أيضاً، وهذا جهل منهم وليس جحوداً. وأنا أعرف جيداً أن الزواج هذا يكون باطلاً؛ لأن العقد غير صحيح، ولكنني بعد الزواج مباشرة علمتها الصلاة، وهي الآن تُصلي والحمد لله. وبعد ذلك دخلت بها؛ أي: بعد ما علّمتُها الصلاة، علماً بأن هذه الزوجة دفعتني لمشكلة تورط فيها والدي، وعرض عليّ الزواج فيها فوافقت وبها تم الزواج.

والسؤال: هل دخولي بها وخاصة بعدما علّمتها الصلاة يُجزي عن ذلك أم لا؟ وما حكم الأولاد في هذه الحالة هل هم شرعيون أم لا؟ وإن كان غير ذلك فماذا أفعل؟

الجواب:

        هذه المسألة في الحقيقة لها أهمية كبيرة بالنظر إلى أن كثيراً من الناس يتساهلون في الصلاة، وهذا التساهل قد يكون قبل الإقدام على الزواج، وقد يكون بعد الزواج، وقد يكون من الزوجة، وقد يكون من الزوج، وقد يكون منهما جميعاً. ولا شك أن الصلاة ركنٌ من أركان الإسلام، وهي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد جاءت أدلة كثيرة تدل على أهمية الصلاة ومكانتها من الإسلام، وقد عدّها الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- في جوابه لجبريل أنها ركن من أركان الإسلام، وجعلها بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وصدّقه جبريل على ذلك. وعبادة هذه مكانتها يجب على المكلّف أن يهتم بها في نفسه؛ سواءً كان ذكراً أو أنثى.

 ومما يُؤسف له أن من الناس من يتركها جاحداً لوجوبها، ومنهم من يتركها تهاوناً وكسلاً، ومنهم من لا يصليها جماعة أصلاً، ومنهم من يصليها بعد خروج وقتها؛ إلى غير ذلك من وجوه التساهل، وينبني على تركها أمور كثيرة، منها ما إذا تزوج الإنسان زوجةً تاركة للصلاة كما جاء في سؤال السائل، فالشخص الذي يترك الصلاة كافرٌ؛ سواء تركها جاحداً لوجوبها، أو تركها تهاوناً وكسلاً، فحكمه أنه يُستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قُتل مرتداً، لا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يُصلّى عليه، ولا يرثه المسلمون من أقاربه؛ كأبيه، وأمه، وأبنائه إذا كان له أبناء.

        وبناءً على هذا الأصل، فالشخص الذي يتزوج زوجة تاركة للصلاة، أو الشخص الذي يزوِّج ابنته على شخص لا يُصلّي، لا يكون هذا العقد صحيحاً. فهذه المسألة التي يسأل عنها السائل الذي ينبغي له أن يعمله هو أن يُجدّد العقد؛ لأنه عقد عليها وهي لا تصلّي، وكونه دخل بها وهي تُصلّي، الدخول شيء والعقد شيء آخر، والدخول مبني على العقد فالعقد هو الأصل والدخول هو الفرع، والأصل واقعٌ وهي لا تصلّي؛ وكذلك بالنسبة للأولاد الذين جاءوا نتيجة هذا الزواج، فهؤلاء الأولاد مُلحقون به؛ بناءً على أن هذا النكاح وقع على أساس أنه نكاح شبهة، فالأولاد ينتسبون إليه وينتسبون إليها. وأما بالنسبة لاستمرار عقد الزواج بناءً على الأول فالطريقة كما سبق أنه يُجدّد العقد عليها.

        وبهذه المناسبة أنا أنصح جميع الأخوة الذين يريدون أن يُقدموا على الزواج بالنسبة لأولياء أمور النساء وبالنسبة للأشخاص الذين يريدون أن يتزوجوا؛ على كلِّ منهم أن يتأكد من سلامة دين الآخر. ومن الأمور المؤسفة أن القرابة قد يكون لها أثر يُغطي جانب اعتبار عدم الصلاة، فقد يكون للشخص ابن أخ لا يصلّي ولا يصوم، ويزوِّجه ابنته لأنه ابن أخيه، فيقول: ابنتي لا أريد أن تخرج خارج العائلة، فيزوجها شخصاً لا يُصلّي؛ وبالتالي إذا كانت تصلّي سابقاً فإنها ستترك الصلاة تبعاً لزوجها؛ لأن العلاقة بين الأب والابن أو الزوج والزوجة لها أثر عظيم من ناحية تأثير أحدهما على الأخر، هذا من حيث الجملة؛ وأما من حيث التفصيل فقد لا يكون هناك أثر؛ كما لم تؤثر زوجة فرعون عليه فإنها مؤمنة وهو كافر، وكذلك لم يؤثر نوح على زوجته، ولم يؤثر لوط على زوجته؛ وهكذا قضايا جاءت لأن هداية التوفيق والإلهام بيد الله -جلّ وعلا-؛ ولكن لا ينبغي لمن كان مسؤولاً عن موليته أن يعقد لها على شخصٍ لا يُصلّي، أو شخصٍ ينتهك ما يُوجب خروجه من الإسلام.

        وكذلك لا ينبغي للشخص أن يتساهل في الزواج بامرأة لا تصلّي؛ إما من أجل مالها، أو من أجل جمالها، أو من أجل حَسَبها، ولهذا الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- قال: « تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحَسبها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدِّين ترِبت يداك »[1]. وإنما توسعت نسبياً في هذا الجواب مع ضيق البرنامج لكثرة من يسأل عن ذلك بوسائل مختلفة عن قضايا وقع فيها السائلون؛ إما أن يكون السائل رجلاً، وإما أن تكون السائلة امرأة، فعلى الجميع أن يتقوا الله حق تُقاته، وأن يُصدقوا فيما بينهم وبينه، وأن يطبّقوا شريعته. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين (7/7)، رقم (5090)، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب نكاح ذات الدين (2/1086)، رقم(1466).