هل الحسد والتشاؤم يمنع رزق الإنسان، وهل الحرمانية في الأرض المقدسة تعادل الحرمانية في أي أرض أخرى؟
- القدر
- 2021-07-07
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (5258) من المرسل ص. إ. ع من مصر، يقول: هل الحسد والتشاؤم يمنع رزق الإنسان، مع العلم بأنني مؤمنٌ بالله ومؤمن بأن الرزق بيده عزوجل؛ ذلك أن الله يقول: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ"[1]. وهل الحرمانية في الأرض المقدسة تعادل الحرمانية في أي أرض أخرى؟ أم أن الحرمانية في الأرض المقدسة في الأرض المقدسة تعد أكبر؟
الجواب:
أولاً: إن الشخص لا ينبغي أن يصدر منه الحسد لأخيه.
والحسد تارة يكون من الشخص بحيث إنه يتمنى زوال ما أنعم الله به على شخص من مال أو جاه أو علم وينتقل إليه، وهذا هو أعلى درجات الحسد.
والدرجة الثانية: تحب أن تزول هذه النعمة عن هذا الشخص، ولا يحب أن تنتقل إليه بل يحب زوالها.
والدرجة الثالثة: أن الشخص يتمنى أن يرزقه الله مثلما أنعم الله به على هذا الشخص من صحة أو مال أو جاه أو علم أو من غير ذلك من وجوه الإكرام، مع بقاء تلك النعمة التي أنعم الله بها على ذلك الشخص، وهذا ليس بمذموم؛ ولهذا جاء في القرآن قوله -تعالى-: "وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ"[2]، فلا يجوز للإنسان الإقدام على حسد أخيه، وعندما يقع منه هذا الشيء في قلبه فإنه يستغفر الله ويتوب إليه. والحسد لا يغير من قضاء الله وقدره شيئاً، ولهذا جاء في وصية الرسول ﷺ لعبد الله بن عباس رضي الله عنه، جاء فيها أنه قال له: « واعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف »؛ ولكن قد يكون الحسد سبباً من الأسباب.
ثانياً: إن التشاؤم لا ينبغي أن يقع، ولا ينبغي أن يتشاءم الشخص؛ لأن تشاؤمه اعتقادٌ منه أن بعض الأمور قد يكون مانعاً من رزق من الأرزاق، أو يكون سبباً من الأسباب التي تجلب له ضرراً؛ فيكون قد اعتقد ما يكون مانعاً أو ما يكون سبباً على وجهٍ ليس بصحيح. فقد يرى طائراً، وقد يرى شخصاً، وقد يسمع صوتاً، وقد يسلك طريقاً إلى غير ذلك من الوجوه التي إذا حصلت قد يقع في نفس الشخص تشاؤمٌ منها، وقد جاء في الحديث: « إنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والدابة والدار »[3]؛ لكن لا ينبغي أن يكون التشاؤم صفةً يتصف بها الشخص.
ثالثاً: إن ما ذكره السائل من جهة الحرمانية في الحرم هل تكون كالرحمانية في غير الحرم؟ فمن القواعد المقررة في الشريعة قاعدة التفاوت بين الأمور، والتفاوت هذا قد يكون في الثواب، وقد يكون في العقاب الدنيوي، وقد يكون في العقاب الأخروي.
فعلى سبيل المثال تُضاعف الأعمال بحسب تفاضل الأوقات، وتتفاضل الأعمال بحسب تفاضل الأمكنة، وتتفاضل الأعمال بحسب كميتها، وبحسب كيفيتها، وبحسب ما يقوم في قلب الإنسان من الإخلاص من جهة والمتابعة من جهةٍ أخرى؛ لأن الإنسان إذا عمل عملاً فلا بدّ فيه من الإخلاص والمتابعة. والإنسان في الإخلاص قد يبلغ درجةً عالية فيكون عمله فاضلاً أفضل ممن دونه؛ وهكذا المتابعة قد يبلغ فيها أعلى درجةٍ من درجات المتابعة، وقد يقصر عن ذلك فيحصل التفاوت في الثواب في الأعمال بحسب ما حصل بينها من تفاوتٍ باعتبار الزمان، أو باعتبار المكان، أو باعتبار كمية العمل، أو باعتبار كيفيته، أو باعتبار ما يقوم في قلب الشخص من الإخلاص، أو باعتبار ما يكون عنده من المتابعة.
أما الجانب الآخر وهو التفاوت في العقوبات فالتفاوت في العقوبات موجودٌ أيضاً، وهذا التفاوت يكون بحسب اختلاف أسباب العقوبات، ويكون -أيضا- بسبب اختلاف الأزمنة، وبسبب اختلاف الأمكنة، وبحسب اختلاف الأعمال التي يعملها الإنسان؛ إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف.
وبناءً على هذا الكلام: فإن الشخص عندما يصلي في المسجد الحرام فالصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه. وصلاةٌ في مسجد الرسول ﷺ تعدل ألف صلاة. وصلاةٌ في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة، وعمرة في رمضان تعدل حجة مع الرسول ﷺ إلى غير ذلك من وجوه التفاضل. وقال تعالى بالنظر إلى الحرم: "وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ"[4]، فليست المعصية في مكة كالمعصية في غيرها.
وبناءً على ذلك ينبغي على الإنسان أن يتنبه إلى الإكثار من الأعمال الصالحة؛ وكذلك يحرص على تجنب جميع الأمور المحرمة ولا يتساهل في أمرٍ محرمٍ يقول: إن هذا ليس في مكة؛ لأن عقوبته ليست بمضاعفة؛ بل عليه أن يتجنب جميع الأمور التي تغضب الله. وبالله التوفيق.
[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ما يذكر من شؤم الفرس (4/29)، رقم(2858)، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم(4/1746)، رقم(2225).