امرأة عمرها في السبعين، ولم تصم ما أفطرته من أيام رمضان إذا جاءها المانع
- الصيام
- 2021-12-13
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (3732) من المرسل ع. ف. ش، من مكة المكرمة، يقول: امرأة بلغت من العمر عتياً، حيث إنها تجاوزت السبعين من عمرها، ولم تصم ما أفطرته من أيام رمضان إذا جاءها المانع وذلك طوال حياتها؛ اعتقاداً منها أن الصوم يسقط مثل الصلاة، وهو جهلٌ منها ليس تعمداً، وبعد أن علمت بذلك أصابها همٌ وخوفٌ شديد، نرجو أن توجّهوها وتوجّهوا أمثالها ماذا وجب عليهم أن يعملوا؟
الجواب:
جاء رجلٌ إلى الرسول ﷺ، فقال له الرسول ﷺ: « جئت تسأل عن البر؟ قال: نعم، قال: البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، فإن أفتاك الناس وأفتوك ».
وقد أوردت هذا الحديث لأن الناس في هذه البلاد عندهم علماء كثيرون والأسئلة متيسرة، بإمكانهم أن يسألوا.
فهذه السائلة في الحقيقة فرطت في الأمر، فلم تسأل عنه في أول الأمر، ومثل هذه المرأة من يترك الصيام مدة النفاس؛ بمعنى: تظن إذا نفست المرأة في شهر رمضان أنه لا قضاء عليها، كما أنها لا تقضي الصلاة فهي لا تقضي الصيام. والواجب على الإنسان إذا وقع في أمرٍ يستريب منه أن يسأل أهل العلم في وقته ولا يؤخّر ذلك. فهذه المرأة عليها القضاء، وعليها التوبة، وعليها أن تكفّر عن كلّ يومٍ بإطعام مسكينٍ، وهو نصف صاعٍ من البر أو الأرز؛ لأنها أخّرت القضاء وهي -في الحقيقة- مفرطة؛ لأنه بإمكانها أن تسأل أهل العلم، وأهل العلم قريبون منها؛ ولكنها لم تفعل ذلك. وبالله التوفيق.
المذيع: عمرها سبعون عاماً، ولم تقضِ أي رمضان جهلاً! فهل تتفضلون بالتوجيه حول هذا الموضوع؟
الشيخ: هي تترك صيام أيام العادة، وعادة النساء من سبعة، إلى ستة، إلى أربعة، إلى ثمانية، وهي تعرف عادتها، وبإمكانها أنها تصوم؛ لأنها لم تذكر في سؤالها أنها عاجزةٌ عن القضاء، وإنما ذكرت أنها فرطت في ترك الصيام في ذلك الوقت، فواجبٌ عليها القضاء، لكن إذا كانت لا تستطيع القضاء، وعاجزةٌ لمرضٍ مزمن لا يُرجى شفاؤه، فإنها تكفّر عن الأيام الماضية، تكفّر عن الصيام، وتكفّر عن التأخير، هذا إذا كانت عاجزةً مطلقاً، وهذا أمانة فيما بينها وبين الله هي وغيرها على سبيل السواء. أما إذا كانت قادرة فواجبٌ عليها القضاء كما سبق، وواجبٌ عليها مع القضاء أن تكفّر عن كلّ يومٍ بإطعام مسكين.
ولو فُرض أنها تستطيع قضاء بعضه؛ يعني: تستطيع أن تصوم فترة وتترك، ثم تصوم وتترك، وهكذا، فلا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها. وبالله التوفيق.
المذيع: القضية التي سنقف عندها لو تكرمتم شيخ عبد الله على ضوء هذه الرسالة: أنك إذا قُدر لك أن تتجول في بعض القُرى، أو في بعض البوادي تكتشف حالاتٍ من الجهل لا يكاد يصدقها العقل، فمن المسؤول عن هذا؟ وكيف نساهم في إزالة هذا الجهل؟
الشيخ:هذه المسألة تختلف في وقتنا الحاضر عن وقتٍ مضى قبل فترة، وذلك أن العلم انتشر إلى درجة أنه يوجد التعليم مع البدو الرُحّل، ووسائل الاتصال متيسرة عن طريق الهاتف، أو عن طريق المكاتبة، أو عن طريق أن الشخص يتصل شخصياً، لأن وسائل النقل الآن متيسرة ولله الحمد، فالتقصير في الحقيقة يرجع إلى الشخص صاحب المشكلة؛ لأنه لم يُكلّف نفسه لا من جهة التعلّم، ولم يُكلف نفسه من جهة السؤال. والله -جلّ وعلا- قال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، فأمرهم بأن يسألوا أهل الذكر عندما تدعو الحاجة إليه.
وأولياء أمور النساء مسؤولون من جهة أنهم لابدّ أن يتحسّسوا مواطن النقص من جهة الدِّين، فيسألون النساء، وإذا أشكل عليهم شيءٌ من الأمور، فبإمكانهم أن يسألوا أهل العلم.
ومن جهةٍ ثالثةٍ: يوجد في البلدان خطباء الجمع، وأئمة المساجد، وهم مقصرون، فكثير من أئمة المساجد لا يقرؤون ما يحتاج إليه الناس؛ وكذلك أئمة الجوامع لا يتطرقون إلى ما تمس الحاجة إليه، فلا تجد شخصاً يتكلم عن كيفية الوضوء، أو عن كيفية -مثلاً- التيمم، أو كيفية المسح على الخفين، أو كيف صلّى النبي ﷺ.
ولكن كثيراً منهم يتطرقون في خطبهم إلى أمورٍ بعيدةٍ عن حياة الحاضرين، والمفروض أن الشخص يتحسس مواطن النقص في القرية أو في البلد التي هو فيها، ويستقصي هذه النواحي، ويتكلّم عليها في كلّ جمعة، وبإمكانه أن يسأل بعض الناس عندما تجمعه مناسبة من المناسبات عما يحتاج إليه الناس. وبالله التوفيق.
المذيع: بعض المسلمين يشغل نفسه بأمور لا تنفعه في أمر دينه، فمثلاً يستمع إلى أشياء إن لم تعد عليه بالإثم، فلا فائدة من ورائها. أطمع في كلمة في هذا المقام شيخ عبد الله.
الشيخ: الزمان ظرفٌ، والإنسان مكلّفٌ، والتكاليف الشرعية منها ما هو واجبٌ، ومنها ما هو مندوب، ومنها ما يحرم فعله، ومنها ما يُكره فعله. والشخص عندما يريد أن يملأ هذا الظرف، لا يفكر هل يملأ الظرف بما يعود عليه بالضرر، أو بما يعود عليه بالنفع، ولهذا نجد كثيراً من الناس لو حاسبوا أنفسهم خلال أربعٍ وعشرين ساعة، قد تجد بعضهم لا يصلّون الصلوات المفروضة، وإنما يُشغلون وقتهم في أمورٍ محرّمة، كمن يشتغل في كسب الحرام، أو يشتغل فيما يعود على المسلمين بالضرر. فالواجب على الإنسان أن يتنبه لنفسه، وأن ينظر في الأسباب التي يزاولها، هل هذه الأسباب من الأسباب المشروعة، وهو عندما يفعلها يفعلها ممتثلاً لأمر الله، أو أنها من الأسباب الممنوعة، وحينئذٍ يعود عليه ضررها في الدنيا، ويعود عليه ضررها في الآخرة؛ هذا من جهة.
ومن جهةٍ أخرى قد يجرّ ضرراً على أولاده، ويجرّ ضرراً على أهل بيته، ويجرّ الضرر على جيرانه، ويجرّ الضرر على بعض المسلمين الآخرين، فالإنسان الذي يشتغل بالنميمة، أو يشتغل بالغيبة، أو الإنسان الذي يشرب الخمر، أو الإنسان الذي يتعامل بالربا.
فالمقصود هو أنه واجبٌ على الشخص أن يتنبّه إلى السبب الذي يريد أن يباشره، هل هو سببٌ مشروعٌ من جهة الله، أو سببٌ ممنوع، فإذا كان سبباً مشروعاً؛ كالصلاة فريضةٌ أو نافلة، فإنه يقدم عليه، وإذا كان السبب ممنوعاً؛ كشرب الخمر، أو الزنا، أو ما إلى ذلك من الأمور المحرّمة، فإنه يمتنع عنه؛ ولكن مما يؤسف له أن كثيراً من الناس لا يفكر في هذه الأمور. وبالله التوفيق.