Loader
منذ 3 سنوات

السؤال عن معنى قول الرسول ﷺ: « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ »


الفتوى رقم (1597) من المرسل م. ع. د من مصر، يقول: ما معنى قول الرسول ﷺ: « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ »[1]؟

الجواب:

        هذا الحديث فيه بيان ثلاثة أمور:

الأمر الأول، فهو: بدء غُربَة الإسلام.

الأمر الثاني، فهو: ازدهار الإسلام.

الأمر الثالث، فهو: بدء غُربَة الإسلام أو عودة غُربَة الإسلام.

        فأما الأمر الأول: فإن الناس في الجاهلية قبل بعثة الرسول ﷺ كانت الفوضى فيما بينهم سائدة من جهة انتهاك الأعراض، ومن جهة سلب الأموال، ومن ناحية فساد العقول، ومن ناحية وقوع الشرك فيما بينهم يعبدون الأصنام والأوثان، يعبدون الأشجار والأحجار. ثم جاء الإسلام بنزول الوحي على الرسول ﷺ، فكان الناس يدخلون في دين الله ولكن بشكلٍ قليل جداً وتدريجي، ثم كانت الدعوة سراً، وكان الرسول ﷺ في مكة ودعا ربه بقوله:« اللهم أعِّز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب »[2]، عمر بن الخطاب أو أبو جهل، فجاء عمر بن الخطاب مُسلماً فقال للرسول ﷺ: هل أنت على حق؟ فقال: نعم، فقال: اخرج إلى الناس، فَبَدأَت الدعوة جهراً من إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان المشركون يُؤذون الرسول ﷺ ويؤذون أصحابه، يؤذون من آمن به. والله -جلّ وعلا- أمره أن يستعمل معهم الصفح والإعراض والمُسالمة، ثم بعد ذلك جاءت فترةً أخرى وهي فترة أنه يَكُّف الأذى إذا صدر أذىً من المشركين فإنه يًكُفُّه، وهكذا من آمن به يكفون الأذى بقدر استطاعتهم، ثم بعد ذلك جاءت الفترة الأخيرة مرحلة إعلان الجهاد في سبيل الله -جلّ وعلا-. فالفترة الأولى فترة الدعوة سراً، وفترة الإعراض والمُسالمة هذه فيها غُربة للإسلام.

        وأما الأمر الثاني: بعد ذلك ازدهر الإسلام نزلت آية السيف، فالرسول ﷺ غزا الكُفَّار في ديارهم يدعوهم إلى دين الله -جلّ وعلا-، فجاءت المرحلة الثانية وهي ازدهار الإسلام، استمر على ذلك القرن الأول والقرن الثاني والقرن الثالث بشهادة الرسول ﷺ:« خيرُ الناسِ قَرْني، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يَلُونَهم »قال الراوي: فلا أدري أذَكَر بعد قرنِه قرنين أو ثلاثة.

        الأمر الثالث: ثم بدأ الضعف في المسلمين من جهاتٍ كثيرة، فَنَشأ مذهب المُرْجِئة والمُعتَزِلة والخوارِج وما إلى ذلك، ثم بعد ذلك استمر الضعف في المسلمين، فجاءت المرحلة الثالثة وهي قوله ﷺ: « سيعود غريباً كما بدأ »، ففي أي مكانٍ يكثُر فيه الشر، ويقِّل فيه الخير، ويقوى فيه سلطان أهل الشر على أهل الخير، ويضعف فيه أهل الخير في جانب أهل الشر؛ فحينئذٍ تتحقَّق غربة الإسلام في هذا البلد.

        فعندما نريد أن نتأكد من حصول غربة الإسلام في بلدٍ ما، فإننا ننظر إلى هذه الأمور التي ذُكرَت، ففيه الخير والشر، وفيه أهل الخير والشر، فإذا غَلَب الشر على الخير، وغلب أهل الشر على أهل الخير، وكان أهل الخير مُستضعَفين؛ فحينئذٍ تكون غربة الإسلام قد تحققت في هذا المكان وفي هذا الزمن.

        وعلى العبد أن يتَّقِي الله في نفسه، وأن يكون سبباً في جلب الخير للمسلمين، وفي إبعاد الشر عنهم؛ سواءٌ كان راعياً، أو كان فرداً من أفراد الرعيَّة؛ لأن الرسول ﷺ قال:« فَطُوبى للغُرَباء الذين يَصْلُحُون إذا فسد الناس »[3] وفي رواية: « يُصْلِحُون ما أفسد الناس »[4]. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ (1/131)، رقم(146).

[2] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب في مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب (5/617)، رقم(3681).

[3] أخرجه أحمد في مسنده(27/237)، رقم(16690).

[4] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الإيمان، باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً(5/18)، رقم(2630).