Loader
منذ سنتين

معنى « تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك »


الفتوى رقم (4544) من المرسل ح. ص. س. ج من حضرموت، يقول: قال الرسول ﷺ: « تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك »[1] اشرحوا لنا هذا الحديث؟

الجواب:

        قوله ﷺ: « تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك »، هذا الحديث يتفق مع قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[2].

        فهذه الشريعة كاملة بجميع ما يحتاج إليه الناس مما يحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة، وما يدرأ عنهم المفاسد في الدنيا والآخرة، فجلب المصالح يكون بإتباع الأوامر، واجتناب النواهي ودرأ المفاسد هذا يكون بترك النواهي؛ لأن المفاسد تندفع إذا امتثل الناس ما نهى الله عنه.

        فعلى سبيل المثال: نهى عن الزنا، نهى عن شرب الخمر، نهى عن السرقة، نهى عن قتل النفس بغير حق، نهى عن شهادة الزور، إلى غير ذلك من الأمور التي نهى عنها، فحينئذ يتحقق درأ المفسدة عندما يمتثلون هذه النواهي، فهذه الشريعة محجةٌ بيضاء في باب الأوامر، ومحجةٌ بيضاء في باب النواهي، ومن المعلوم أن الرسول ﷺ جاء بالقرآن من جهة الله تعالى، وجاء بالسنة والله جلا وعلا قال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[3].

        والسنة مفسرة للقرآن، وتحتاج إلى فهمٍ من أجل تبيينها للقرآن، والشخص يحتاج إلى أن يكون على علمٍ مما كلفه الله به سواءٌ أكان التكليف في باب الأمر، أو كان التكليف في باب النهي فيعرف ما كُلف به على وجهٍ صحيح ويطبق ما كلف به في باب الأوامر من جهة الفعل، وفي باب النواهي من جهة النهي.

        وبما أن هذه محجة بيضاء من جهة التشريع، فهي أيضاً تكون محجةً بيضاء في باب التطبيق من الناس، لكن عندما يحصل خلل في التطبيق من جهة الإفراط أو من جهة التفريط، فحينئذ يفقد الشخص سيره على هذه الطريقة وعلى هذه المحجة بقدر ما حصل منه من المخالفة، فقد تصل به المخالفة إلى درجة الكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو تصل به إلى المخالفة في الشرك الأصغر، أو المخالفة في كبائر الذنوب من جهة ارتكابه للزنا أو السرقة، أو ما إلى ذلك في باب النواهي، أو بترك الصلاة مثلاً جماعةً، وما إلى ذلك من ترك بعض الأمور الواجبة عليه.

        قصدي من هذا هو أن الشخص يكون على المحجة البيضاء إذا حقق الإتيان بالأوامر وترك النواهي، ويفقد من هذه المحجة البيضاء يفقد منها بقدر ما حصل منه من المخالفة. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه أحمد في مسنده (28/367)، رقم (17142)، وابن ماجه في سننه، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين(1/16)، رقم(43).

[2] من الآية (3) من سورة المائدة.

[3] الآية (3) من سورة النجم.