ما نوع الاختلاف في حديث « وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً... »
- شرح الأحاديث
- 2022-02-01
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (10423) من المرسل ع. س، من أُوثال، يقول: قال ﷺ: « وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ »، هل هذا الاختلاف يصيب الأمة الإسلامية آخر الزمان وتضعف معه الأمة؟ وهل هذا اختلاف عَقَدِي أم على عموم الاختلاف؟ وما توجيهكم للمسلمين؟
الجواب:
يقول الله -جلَّ وعلا-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[1]، ويقول ﷺ: « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس ».
ويقول ﷺ: « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة "قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».
وبناءً على هذه الأدلة جاء في افتتاحية سورة البقرة بيان أصناف الناس وهم: المؤمنون ذكرهم الله في أربع آيات في الافتتاح، ثم ذكر القسم الثاني وهم الكفار وذكرهم في آيتين، ثم بعد ذلك ذكر الصنف الثالث وهم المنافقون ذكرهم في ثلاث عشرة آية. ثم دعا هذه الأصناف الثلاثة إلى عبادة الله وحده فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[2].
ومن المعلوم أن العلم يكون فرض كفاية، ويكون فرض عين. وفرض العين واجب على كل شخص من المكلفين من الذكور ومن الإناث، ومن الأحرار ومن العبيد، ومن الأغنياء ومن الفقراء، ومن الحاكمين ومن المحكومين؛ كلٌ واجب عليه بحسبه.
فعلى سبيل المثال: الإيمان والتوحيد والعبادات من طهارة وصلاة وزكاة وصيام وحج هذه كلها من فروض الأعيان؛ وهكذا من كان يشتغل في التجارة يجب عليه أن يعرف أحكام الحلال والحرام، وهكذا بالنظر لسائر الأمور التي تجب على الإنسان عيناً؛ هذا لا يُعذر فيه أحد.
وأما فرض الكفاية فالمقصود منه أن الشيء الذي يتعلق بالناس عموماً؛ يعني: بأهل البلد عموماً؛ مثل: القيام بالقضاء، القيام بالإفتاء، القيام بالدعوة إلى الله، القيام بالحسبة؛ وهكذا سائر العلوم؛ كالقيام بالطب، والقيام بالهندسة، والعلوم الدينية، والعلوم الدنيوية؛ فإن فرض الكفاية يكون من أمور الدين ويكون من أمور الدنيا؛ هذا إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
وفرض الكفاية له نظران:
النظر الأول: من جهة من يصلح له ابتداء؛ بمعنى: إنه يُهَيئّ له.
والنظر الثاني: من يقوم به أداءً.
فالذين يصلحون بأن يقوموا بفرض الكفاية يكونون قياديين؛ هؤلاء يُعلَّمون ولا يحق لهم أن يعتذروا؛ وكذلك بالنظر إلى الأداء إذا اتجه إليهم ولم يوجد غيرهم، فإنه يجب عليهم المباشرة ولا يجوز لهم الاعتذار. وعلى هذا الأساس فرض العين يحتاج إلى من يتعلمه، وفرض الكفاية يحتاج إلى من يتعلمه؛ ذلك أن العمل لا بدّ أن يكون مسبوقاً بعلم، ولا فرق في ذلك بين فرض العين وبين فرض الكفاية، فيتعلم ويعمل بحسب المسؤولية الملقاة عليه.
بعد ذلك عندما يكون الشخص مؤهلاً في علم، ويأتي شخص آخر وينازعه في مسألة من مسائل العلم؛ ننظر إلى هذا الشخص الذي نازعه هل هو من أهل هذا العلم؟ وهل هو في مستوى هذا الشخص من العلم؟ فإذا كان الشخص الأول مؤهلاً تأهيلاً علمياً بحسب العلم الذي هو منتسب إليه؛ فلا بدّ أن يكون الآخر مؤهلاً تأهيلاً علمياً كافياً حتى يُنظر في خلافه مع الشخص الآخر؛ أما وجود الخلاف كما هو موجود الآن -سواء كان عن طريق وسائل الإعلام، أو كان عن طريق المشافهة، أو كان عن طريق التأليف. إذا نظرنا إلى كثير من المختلفين وجدنا أنه لا نسبة بين الرادّ والمردود عليه لا من جهة أصل العلم، ولا نسبة بينهما من ناحية كمية العلم الذي حصله؛ لأن الكلام الذي يقوله الشخص تارة يكون كلاماً علمياً مؤصلاً حسب قواعد الشريعة قواعد الأصول، قواعد الفقه، قواعد مقاصد الشريعة وفهمها على وجه سليم. وقد يكون كلامه كلاماً فكرياً يعتقد أنه علميّ؛ لكن عندما ينظر إلى هذه المادة الكلامية ويُبحث عن مدرك لها من مدارك الشريعة يجد الناظر أنها لا تشتمل على شيء من المدارك الشرعية؛ وإنما هو كلام فكري حماسي، وقد يدخله شيء من التعصب من جهة، أو يدخله شيء من العاطفة من جهة أخرى.
وبناء على ذلك فإن الشخص الذي يتكلم بهذا الكلام هذا لا ينبغي أن يكون طرفاً في الخلاف في مسألة علمية، ولا يكون مهندساً يختلف مع عالم شرعي في مسألة من مسائل الشريعة؛ كما أن العالم في الشريعة لا يختلف مع عالم في الهندسة؛ لأن الله -تعالى- يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[3]. وكل عالم مدرك على مستوى مقبول فهو من أهل الذكر في علمه؛ كعالم التفسير، أو عالم الفقه، أو عالم العقيدة، أو عالم الحديث، أو عالم الهندسة، أو عالم الطب، أو غير ذلك من العلوم.
بناء على ذلك كله: أنصح الشخص الذي يريد أن يتكلم في مسألة شرعية ينظر إلى نفسه أولاً فإذا كان مؤهلاً تأهيلاً علمياً كافياً فإنه يتكلم؛ لأنه إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر على اجتهاده، وخطؤه معفوّ عنه.
لكن شخص لم يصل إلى درجة معرفة مدارك المسائل التي يريد أن يتكلم عنها هذا يكون قد دخل في العلم، ويشمله قول الله -جلَّ وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} إلى قول -جلَّ وعلا-: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[4]، فهذا يقول على الله بغير علم؛ يعني: بجهل، فلا يجوز؛ لأنه قد يتكلم في آية، قد يتكلم في حديث؛ لكن كما ذكرت قبل قليل يكون من النوع الذي عنده قدرة على الكلام، فالقدرة على الكلام شيء، وإصابة الهدف الشرعي شيء آخر؛ هذا من جهة المتكلم.
من جهة الشخص الذي يريد أن يخالف عن طريق الإذاعة، عن طريق الصحف، عن طريق التأليف، عن طريق المشافهة؛ هذا يحتاج أن ينظر إلى نفسه هل هو في مستوى الشخص الذي يريد أن يناقشه في هذه المسألة المختلف فيها بينه وبينه؟ أم أنه ليس في مستواه؟
فإذا لم يكن في مستواه فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه؛ لأن الكلام الذي سيقوله هو كلامٌ من جهة النحو كلام منضبط؛ لكنه من جهة الإصابة العلمية لا يكون مصيباً يكون جاهلاً، فعليه أن يتقي الله -جل وعلا- في نفسه.
أما بالنظر إلى الخلاف الواقع فالخلاف الواقع حصل اختلافٌ بين الصحابة في بعض المسائل، وحصل خلافٌ في بعض المسائل بين التابعين وأتباع التابعين -القرون المفضلة-، وحصل خلاف في بعض المسائل بين الأئمة؛ لكنه من الخلاف المعتبر والمحترم، والذين يختلفون يكونون على مستوىً واحد في المسائل التي يختلفون فيها.
أما بالنظر إلى الفِرق التي اختلفت مع الفرقة الناجية، يختلفون في القرآن، ويختلفون في السنة، ويختلفون في العقيدة، ويختلفون في مسائل كثيرة؛ فالرسول ﷺ حكم على هذه الأمم بأنها كلها في النار إلا هذه الواحدة، فنحن ننظر إلى الشخص ونطبق عليه هل هو من الفرقة الناجية أو من إحدى الفرق الثنتين والسبعين. وبالله التوفيق.