حكم الاجتهاد وقت نزول الوحي وفي وقتنا الحاضر
- الاجتهاد
- 2021-06-21
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (411) من المرسلة ص. م. م. من مصر -الوادي الجديد تقول: أرجو الإفادة عن كيفية حاجة المسلمين إلى الاجتهاد في عصر نزول الوحي وكذلك في عصرنا هذا وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.
الجواب:
أما الاجتهاد في عصر نزول القرآن ، وفي وقت وجود الرسول ﷺ ، فهذا ليس له محلٌ بالنظر إلى أن الناس في ذلك الوقت ينتظرون أحكام المسائل التي تقع ؛ إما من جهة نزول الوحي ، أو من جهة الرسول صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا كان الرسول ﷺ إذا سُئِل عن شيء وليس عنده فيه وحي، فإنه ينتظر حتى ينزل عليه الوحي في ذلك، نعم حصل من الرسول صلوات الله وسلامه عليه اجتهادات، وهذه الاجتهادات قسمان:
القسم الأول: اجتهادات أقره الله جلا وعلا عليها.
والقسم الثاني: اجتهادات نبهه عليها، ففي قوله تعالى: "عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ"[1] قال له ذلك حينما أذن للمتخلفين في غزوة تبوك، وفيه كتاب مؤلف في اجتهادات الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
وعلى هذه الأساس تكون الشريعة بموت الرسول صلوات الله وسلامه عليه كاملة، ولهذا نزل عليه قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"[2].
فالشريعة كاملة بالقرآن وبسنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، والسنة مبينة للقرآن كما قال الله تعالى:"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...." الآية[3]، فالرسول صلوات الله وسلامه عليه بيّن ما يحتاج إليه الناس وليس هناك شيء في حاجة إلى البيان من مسائل التكليف.
ثم بعد ذلك الصحابة رضي الله عنهم صاروا يستنبطون من القرآن، ويستنبطون من سنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ويجتهدون في ذلك على أساس معرفتهم لأسباب النزول ومعرفتهم في لغة العرب ومعرفتهم في مقاصد الشريعة فصاروا يجتهدون في الاستنباط، وإذا جاءت مسألة لم يجدوا لها حكم، فإنهم يجتهدون في إلحاقها بنظائرها، ثم جاء التابعون من بعدهم، وهكذا.
فالاجتهاد بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه موجود؛ ولكنه في نطاق منضبط مع كتاب الله وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، ولا أعني بهذا أن اجتهاد الصحابة اجتهاد معصوم وأنه لا يحصل منهم الخطأ؛ ولكن اجتهادهم أقرب إلى الشريعة من اجتهاد غيرهم؛ ولهذه الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين» والمقصد أن الاجتهاد كان موجودا في عهد الصحابة رضي الله عنهم؛ ولكنه جاري على قواعد الشريعة وقواعد اللغة وعلى مقاصد التشريع.وهكذا من برز من العلماء الذين وصلوا إلى درجة الاجتهاد كالأئمة الأربعة ومن كان على شاكلتهم.
أما الاجتهاد في عصرنا الحاضر، فكثير من الناس ينادي إليه؛ ولكن مع الأسف أن كثيرا من الذين ينادون إليه، لم يتوفر لديهم أدوات الاجتهاد حتى يضع الإنسان نفسه في درجة المجتهدين، ولهذا بعض الناس الذين من هذا النوع لمّا قيل له في مسألة، قال فيها بقول، قيل له: هذه المسألة فيها قول لبعض الصحابة يخالف ما قلت؟
فقال: الصحابة رجال ونحن رجال؟
ولا شك دال على جهله بالصحابة من جهة، وعلى جهله بنفسه من جهة أخرى، ولكن الشخص إذا توفرت لديه جميع المبررات التي تؤهله بأخذ الحكم الشرعي من القرآن ومن السنة، توفرت لديه الأدوات الكافية في ذلك، فلا مانع من أن يجتهد.
أما الشخص الجاهل بلغة العرب والجاهل بأصول الفقه والجاهل بناسخ القرآن ومنسوخه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، وظاهره وتأويله، ومحكمه ومتشابهه، الشخص الذي يجهل هذه الأمور، ويجهل أيضاً كذلك ما يتعلق بالسنة من هذا النوع، ويجهل أيضاً ما يتعلق بالسنة من جهة ما يقبل من الأحاديث وما يرد، ويجهل أيضاً أدوات الترجيح، ويجهل مواضع التعارض وكيف يتخلص منها، إذا كان يجهل هذه الأمور فأين الاجتهاد؟ وكيف يعتبر الشخص نفسه من المجتهدين؟
فعلى العبد أن يتقي الله في نفسه، فإذا كان عنده استعداداً بأخذ الأحكام من مواطنها على وجه سليم، فلا مانع من ذلك، وإذا كان لا يستطيع ذلك، فعليه أن يسأل أوثق أهل العلم الذين يستطيع أن يتصل بهم سواء بالكتابة أو بالمشافهة أو بوسائل الاتصال الأخرى.
وإنما وسعت الجواب عن هذا السؤال على حسب ما سمعه المستمع من جهة، وعلى قدر وقت البرنامج من جهة أخرى؛ لأنني أرى كثيراً من الناس ينتسبون إلى الاجتهاد، ولم تتحقق لديهم بعض أدوات الاجتهاد ولا أقول أدوات الاجتهاد ولا أقول أكثر أدوات الاجتهاد يعني لم يتوفر لديه بعض أدوات الاجتهاد. وبالله التوفيق.