Loader
منذ سنتين

حكم عبارة: إن أصول الفقه من علوم أهل البدعة وعلى هذا يُهجر هذا العلم ولا يدرسه ولا يُدرّسه، عليكم بكتب أهل السنة من السلف


الفتوى رقم (11963) من المرسل السابق، يقول: سمعنا من يقول: إن علم أصول الفقه من علوم أهل البدعة وعلى هذا يُهجر هذا العلم ولا يدرسه ولا يُدرّسه. ويقول: عليكم بكتب أهل السنة من السلف.

الجواب:

لا شك أن العناية بسنة رسول الله ﷺ، والعناية بآثار الصحابة والتابعين وأتباع التابعين من الأمور المهمة؛ لكن عندما نأتي إلى سنة الرسول ﷺ فإن هذه السنة راجعة إلى القرآن؛ بمعنى: إنها مبيّنة للقرآن. قد تكون مؤكّدة، وقد تكون مبيّنة. ووجوه البيان كثيرة، وقد يأتي فيها شيء زائد عن القرآن لكنه راجع إلى الأصل الكلي، وهو قول الله -جل وعلا-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[1]، وقوله -جل وعلا-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[2]، وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[3]، وبناء على ذلك فإن القرآن يُبيّن بعضها بعضاً، والسُنّة تُبيّن بعضها بعضاً، والسُنة تكون مبيّنة للقرآن لكن عندما يُريد الشخص أن يأخذ الأحكام من كتاب الله ومن سنة رسوله ﷺ فلابد أن يكون على بيّنة من الأمور التي يسلُكها من أجل أن يكون أخذ هذه الأحكام على وجه سليم.

إذا نظرنا إلى أدلة التشريع وجدنا أن منها ما يُؤخذُ من جهة قصد الشارع من وضع الشريعة، ومنها ما يُؤخذُ من جهة من يصلحُ أن يدخل في أدلة التشريع ومن لا يصلحُ أن يدخل؛ وكذلك ما يدخلُ في أدلة التشريع وما لا يدخلُ في أدلة التشريع.

وهذه الأمور لا يُمكن أن يصل إليها الإنسان إلا بمعرفة القواعد التي تُسلك لاستنباط الأحكام، وذلك بمعرفة لغة العرب من ناحية وضعها، ومن ناحية دلالة المفردات، ومن ناحية التصريف، ومن ناحية الاشتقاق؛ وكذلك من جهة علم تركيب الجمل؛ مثل: النحو، والبلاغة؛ وكذلك يكون عنده معرفة بمقاصد الشريعة؛ لأن هذه الشريعة هي وُضعت على حسب لسان العرب.

والعرب عندهم مبادئ كثيرة موجودة في أصول الفقه. ومن أن أراد أن يتوسع في هذا المجال فعليه الرجوع كتاب (الصاحبي) لأحمد بن فارس بن زكريا، وعليه -أيضًا- أن يرجع إلى كتاب (الخصائص) لابن جني، وسائر كتب فقه اللغة وكتب البلاغة وكتب النحو وما إلى ذلك، وكذلك كتاب (المُخصص) لابن سيدة، وكذلك كتاب (معجم مقاييس اللغة) لأحمد بن فارس بن زكريا، وهكذا يرجع -أيضًا- إلى ما كتبه العلماء في مقاصد الشريعة؛ وكذلك ما كُتِبَ في المصالح، وما كُتِبَ في قاعدة سد الذرائع؛ وكذلك ما كُتِبَ في المآلات والأهداف. والكتب في هذا الموضوع كثيرة.

والشخص الذي قال هذا الكلام هذا جاهل مركب؛ لأن الإنسان قد يكون جاهلاً جهلاً بسيطًا، فإذا قال: لا أدري فجهله بسيط. وإذا حكم على أمر بغير الحكم المطلوب فهذا جاهل مركب؛ لأنه لا يدري ولا يدري أنه لا يدري. فقائل هذا الكلام هذا جاهل جهلاً مركّباً فيما يختص بالأصول.

أما وصيته فكما ذكرت في بداية الكلام وصيته من ناحية العناية بالسنة وآثار الصحابة والتابعين فهذا طيب؛ لكنك لا تستطيع الاستفادة من السنة إلا إذا استعملت قواعد الأصول. وبالله التوفيق.



[1] الآية (3) من سورة النجم.

[2] من الآية (7) من سورة الحشر.

[3] من الآية (31) من سورة آل عمران.