معنى حديث « استحيوا من الله حق الحياء »، وهل هناك حياء محمودٌ وحياء مذموم؟
- شرح الأحاديث
- 2022-02-21
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (10046) من المرسل ع. س من أوثال، يقول: قول النبي ﷺ: «استحيوا من الله حق الحياء »، قال: إنا لنستحي يا رسول الله، قال: « ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى »[1].فما معنى هذا الحديث؟ وهل هناك حياء محمودٌ وحياء مذموم؟
الجواب:
هذا الحديث اشتمل على جملتين:
أما الأمر الأول فهو: حفظ الفرج. وحفظ الفرج جاء فيه أدلة كثيرة، وهذه الأدلة منها ما يدل على استعمال الفرج في الأمر المشروع؛ يعني: بين الرجل وزوجته، أو بينه وبين أمته: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[2]. وإذا نظرنا إلى مكانة الفرج وحفظه وجدنا أنها من الضروريات الخمس، وهي: حفظ النسل، وإذا نظرنا إلى هذه الضرورة وجدنا أن الله -جل وعلا- قد حصنها بأمور، وهذه الأمور منها النهي عن سفر المرأة دون محرم، فإذا سافرت دون محرم فقد هتكت ستر الحياء فيما بينها وبين الله؛ أي: إنها لا تستحي من الله حينما استحلت هذا الأمر المحرم فسافرت دون محرم؛ لأن سفرها دون محرم عرضة لانتهاك عرضها. ومن ذلك أن الرسول ﷺ نهى عن الخلوة للمرأة فقال: « ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ». فقالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال: « الحمو الموت ».
والحمو هو أخو الزوج. فإذا خلا رجلٌ بامرأة وهو ليس بمحرمٍ لها فمن جهته هو قد كشف أو قد هتك ستر الحياء فيما بينه وبين الله؛ أي: إنه لا يستحي من الله، وهكذا بالنظر للمرأة إذا اجتمعت برجلٍ ليس بمحرمٍ لها فإن هذا يكون فيه هتك لهذا الستر.
وعلى هذا الأساس نأتي لما هو واقعٌ الآن وهو مسألة اختلاط النساء بالرجال في مقاعد الدراسة، وتدريس الرجل للنساء وهن كاشفات؛ إلى غير ذلك من الأمور التي يكون فيها اختلاط، ونأتي -أيضاً- إلى كشف الوجه لأن المرأة يجب عليها أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب، ولهذا وجب عليها أن تكشف وجهها إذا كانت في الصلاة، أو كانت محرمة بحج أو عمرة؛ إلا إذا كانت ترى الرجال الأجانب أو يرونها فإنه يجب عليها ستر وجهها، فإذا كشفت وجهها للرجال غير المحارم فإنها لا تستحي من الله -جل وعلا-؛ يعني: هتكت الستر الذي بينها وبين الله -جل وعلا-، فأصبحت لا تستحي من الله -جل وعلا- الذي أمرها بالحجاب.
وهكذا بالنظر لغض البصر فالله أمر الرجال بغض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[3]، وأمر النساء بغض البصر: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[4]، وقال أيضاً: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[5].
المقصود: هو أن الله -سبحانه وتعالى- حصن هذا المبدأ بهذه الذرائع؛ بمعنى: إنه منع من ارتكابها؛ الشخص لا يخلو بامرأة ليس بمحرمٍ لها، ولا تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم؛ وهكذا الأمر بغض البصر، وهكذا النهي عن الضرب: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[6]؛ فالمقصود أن الله -سبحانه وتعالى- حصّن المرأة، ومنع الرجل من استعمال الوسائل التي من شأنها أن تكون وسيلة لوقوع مالا تحمد عقباه بين الرجل وبين المرأة.
عندما تأتي المخالفة من الرجل أو تأتي المخالفة من المرأة يكون في ذلك هتكٌ للستر بينهم وبين الله وهو الحياء، فيكون هذا الرجل لا يستحي من الله، وتكون هذه المرأة لا تستحي من الله -جل وعلا-.
وهكذا بالنظر للإنسان إذا مد يده ومسّ امرأة؛ كما قال ﷺ: « اليد تزني وزناها اللمس، والرجل تزني وزناها المشي، والعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها الاستماع، وهكذا اللسان... » إلى أن قال: « والفرج يصدق ذلك أو يكذبه »؛ أي: إنه قد يقع الإنسان في الزنا.
ولهذا تجد بعض الناس يعظم الناس أكثر من تعظيم الله، فلا يريد أن يراه الناس على معصية؛ ولكن يخلو عن الناس ويستعمل المعصية؛ كما قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ}[7]؛ أي: إنهم يستحون من الناس. ويكونون في أمكنة الناس لا يرونهم ويعصون الله في هذه الأمكنة، ولكن الله -سبحانه وتعالى- معهم يراهم ويسمع ما يقولونه.
وبوجهٍ عام أي شخصٍ يترك واجباً بغير عذرٍ شرعي، أو يفعل محرماً بغير عذرٍ شرعي يعذره الله فيه؛ فإن هذا الشخص لا يستحي من الله -جل وعلا-. والله -جل وعلا- أحق أن يستحيا منه.
الأمر الثاني: بالنسبة لبطن الإنسان فالله -سبحانه وتعالى- جعل للإنسان غذاءً روحياً وهو الدّين، وجعل له غذاءً بدنياً وهذا الغذاء الروحي إذا أتى به على الوجه الأكمل صار غذاءً سليماً ؛ بمعنى: إنه اتبع الأوامر واجتنب النواهي، فهذا يكون قد غذى نفسه تغذية دينيةً سليمة؛ أما إذا خالف فترك شيئاً من الواجب، أو فعل شيئاً محرماً؛ فإن هذا الغذاء لا يكون صحيحاً؛ وإنما يكون غذاءً ضاراً للروح. والبدن له غذاءٌ وغذاؤه هو الأكل والشرب؛ وكذلك اللباس والاحتفاظ من الحر والبرد يكون بوسائله؛ مثل: تهيئة المساكن، وتهيئة وسائل التبريد ووسائل التدفئة كما في وقتنا الآن. الله -سبحانه وتعالى- شرع أسباب الرزق وبيّن أسباباً من ناحية المكاسب ولكنه حرمها، فالإنسان عندما يرتكب أو يسلك سبباً من أسباب حصول المال وهذا السبب محرمٌ ويكون عالماً بذلك؛ فحينئذٍ يكون قد هتك ستر الحياء فيما بينه وبين الله -جل وعلا- فصار لا يستحي من الله؛ كالمتعاملين -الآن- بالربا، والأشخاص الذين يستولون على الأموال بالظلم، يستولون عليها بالغصب، يستولون عليها بالسرقة، يستولون عليها بالرشوة وما إلى ذلك؛ فجميع هذه المكاسب كلها محرمة. أو يحصلون عليها ببيع أمور محرمة؛ مثل: ثمن الخمر وما إلى ذلك فجميع هذه المكاسب تجدون أنها محرمة عندما تكون هذه الأموال عند الشخص يشتري بها لباساً، يشتري بها سكناً يسكن فيه، يشتري بها شيئاً من المأكولات وشيئاً من المشروبات؛ هذا الشخص يكون قد غذى نفسه بمأكلٍ حرام، ومشربٍ حرام، وملبسٍ حرام، ومسكنٍ حرام، فإذا كان يعلم أن هذه الأمور محرمة فحينئذٍ يكون قد هتك ستر الحياء فيما بينه وبين الله -جل وعلا- فأصبح لا يبالي بالمكاسب التي يكسبها هل هي من وجهةٍ حلالٍ أو من وجهٍ حرامٍ؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- طبع على قلبه بسبب هذه المعاصي التي فعلها.
فالواجب على الإنسان أن يحفظ فرجه من جهة، ويتجنب جميع الوسائل التي من شأنها أن تغريه في انتهاك فرجٍ حرام. ولا فرق في ذلك بين لواط أوزنا؛ وهكذا بالنظر إلى استعمال العادة السرية؛ سواء كان ذلك من الرجل، أو كان ذلك من المرأة؛ وهكذا بالنظر إلى اكتساب الأمور المباحة عليه أن يحرص على اكتساب الأمور المباحة، ويتجنب جميع المكاسب المحرمة، وبهذا يكون قد استحى من الله -جل وعلا-. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه أحمد في مسنده(6/187)، رقم(3671)، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع(4/637)، رقم (2458).