حكم منع الأب من تزويج ابنته البالغة خمسة وعشرين عاماً، وتوكيل إخوانها البالغين في تزويجها
- النهي
- 2022-04-30
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1632) من المرسلة السابقة، تقول: لي ابنة تبلغ من العمر الخامسة والعشرين عاماً، ومع ذلك يُصرُّ والدها على إبقائها عانساً بدون أي أسباب، و لا يتقبَّل النصائح بتزويجها، وهو ممن يحرص على متابعة برنامج نور على الدرب، فنرجو نُصحَه جزاكم الله خيراً؛ و إذا لم يتقبَّل ذلك فهل لي الحق الشرعي بتزويجها رغماً عنه؟ مع العلم بأن لي ثلاثة أولاد جميعهم فوق سِنّ الوكالة الشرعية.
الجواب:
حصول الامتناع من الولي لتزويج موليَّتِه يشكو منه كثيرٌ من البنات، ومن أمهات البنات، أو من إخوان البنات، أو بعض الأقارب، وهذه الظاهرة ظاهرة مؤسفة، ومخالفة لما جاء من الأدلة الشرعية في الترغيب في الزواج؛ وكذلك ما جاء من الأدلة الدالة على تحريم العَضْل، وهو منع الولي لموليته من الزواج بدون سبب شرعي. وتوضيحاً لذلك فبعض الآباء أو بعض الأولياء يمنعون البنت من الزواج؛ لأنها موظفة، ولو أنها تزوجت لخسروا راتبها، وهذا قد سأل عنه عدّة من النساء، وهذا أمر لا يجوز للولي؛ لأنه قد ينشأُ عنه فساد أخلاق للمرأة، ويكون هو الذي منعها من حقها الشرعي حتى وقعت في هذا الأمر، فيكون عليه نصيبه من الإثم.
ومنهم من يمنع المرأة من أجل استخدامها تخدم في البيت، أو ترعى الغنم، أو تشتغل في الفلاحة، أو غير ذلك من الأغراض التي يُريدُها الولي؛ وكلّ هذا لا يجوز؛ يعني: لا يجوز له أن يمنعها من أجل هذه الأغراض.
ومنهم من يمنع زواجها من أجل أن يتحصَّل على مبلغ كبير من المال؛ يعني: ينتظر الزوج الذي يدفع له مالاً كثيراً، وهذا -أيضاً- لا يجوز؛ لأن المهر في الأصل حقٌ لها، وليس حقاً شرعياً له.
ومنهم من يمنعها من أجل أن يتزوج بدلاً بها، فعندما يأتيه شخصٌ خاطب يقول له: هل عندك بنت أو عندك أخت أو قريبة أنت ولي لها؟ فأنا لا عندي مانع أن أزوِّجك موليتي وتزوجني موليتك، فيريد بها بدلاً، وهذا -أيضاً- لا يجوز؛ لأنه شِغَار، وقد نهى عنه النبي ﷺ، والنهي يقتضي التحريم.
ومنهم من يمنع زواجها عناداً؛ إما أن يُعانِدها هي، أو يُعانِد أمَّها، وإما أن يعاند أحداً من إخوانها، فيكون له رأيٌ، ويكون لهم رأي، ويحصل بينهم خِلاف، وينتج عن ذلك الخلاف أن البنت تكون هي الضحية لهذا الخلاف، والرسول -صلوات الله وسلامه عليه- قال: « إذا جاءكم من تَرضَون دينه وأمانتُه فزوِّجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير »، هذا من جهة الأولياء.
ويقول الرسول ﷺ للشباب: « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أحْصَنُ للفرج وأَغَضُّ للبصر، ومن لم يستطِع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء »، فهذا حَثٌ للشباب ليبحثوا عن الزوجة. والأول حثٌ للأولياء إذا جاءهم من يرضون دينه وأمانته؛ فإنه لا يجوز لهم أن يمتنعوا عن تزويجه، وإذا حصل امتناع عن التزويج بعد مجيء الكُفء؛ فإنه ينشأ عن ذلك فتنة وفساد كبير، ومن الفتنة والفساد الكبير أن يَفتَتِن الشاب بالبنت ويقع منهما نتيجة حبِ أحدهما للآخر ما لا تُحمد عُقْباه؛ أو أنها تسلُك مسالك ليست بطيَّبة؛ كردِ فعلٍ على ولي أمرها؛ لتُظهِر له أنه قد أخطأ في منعها؛ فالمقصود أنه لا يجوز لولي المرأة إذا جاءه من يرضى دينه وأمانته لا يجوز له أن يمنعها من الزواج، وإذا منعها من الزواج بعد مجيء الكفْء فإنه يكون آثماً، ويُخشى عليه من العقوبة؛ لأن الأمر بيد الله -جل وعلا- والله سبحانه وتعالى قادر على كلّ شيءٍ.
فعلى كلّ ولي أمرٍ من أمور النساء أن يتقي الله فيمن ولاه الله أمرُه منهن، وأن يسعى فيما يُصلِحهُن في أمور دينهن وأمور دنياهن، وألا يمنعهن من الأشخاص الذين يكونون مَرضِّيين في دينهم وفي أمانتهم.
وفي حالة ما إذا وُجِد شخصٌ يمنع بدون عذرٍ شرعي، فإنه يكون عاضلاً، وبعد ذلك تَسقُط ولايته، وتنتقل الولاية إلى من يليه من الأولياء يتولى أمر تزويجها، ويُرفَع ذلك إلى الحاكم الشرعي من أجل الحكم بعَضْلِ الولي الأول وتولية أو إقرار الولي الثاني ليتولى عقد نكاحها.
وهناك أمر يحتاج إلى تنبيه، وذلك أن بعض الأقارب إذا حصل العضل من الولي، يحصل تقصير من هؤلاء الأقارب أنهم لا ينبِّهون الجهة المسؤولة على ذلك؛ سواءٌ كان التنبيه للجهة الإدارية أو كان التنبيه للجهة الشرعية. وبالله التوفيق.