Loader
منذ سنتين

هل الخلاف بين الأئمة في الفروع فقط؟ أم في العقيدة والفروع؟ وما موقفنا من هذا الخلاف؟ وكيف يمكن للعامي أن يعرف الصواب؟


الفتوى رقم (11651) من المذيع يقول: سؤال تكرر في أكثر من مناسبة وبأكثر من صيغة حول الخلاف بين الأئمة على أكثر من شق، شق السؤال الأول يقول: هل الخلاف بين الأئمة في الفروع فقط؟ أم في العقيدة والفروع؟

        ويقول: ما موقفنا من هذا الخلاف؟ وكيف يمكن للإنسان العادي أن يعرف الصواب في هذه الحالة؟

الجواب:

وجود الخلاف بين أهل العلم ليس من الأمور المنكرة؛ وإنما هو أمرٌ موجود في عصر الصحابة والتابعين وأتباع التابعين؛ وكذلك سائر العلماء المعتبرين.

 أما مورد الخلاف بين العلماء فلابد من تقرير؛ هذا التقرير هو أن الرسول ﷺ قال: « افترقت اليهود على إحدى سبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة »، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: « من كان على مثل-لم يقل: على شبهي- قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».

فالعلماء الذين هم أفرادٌ من هذه الطائفة التي بيّنها الرسول ﷺ، ويكونون مؤهلين تأهيلاً كافياً. والتأهيل الكافي معناه أنه يكون عندهم علمٌ في أصول الشريعة، وعندهم علمٌ في فروعها، وليس معنى هذا أن الواحد منهم وصل إلى درجة العصمة، فالمجتهد عندما تتوفر عنده وسائل الاجتهاد قد يصيب وقد يخطئ، كما قال ﷺ: « إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر ».

        وبناءً على ذلك كله: فإننا ننظر في الشخص هل هو من الطائفة التي وصفها الرسول ﷺ بقوله: « من كان على مثل ما أنا عليه »؛ لأن هذا القول يستوعب الأفراد الذين ينطبق عليهم إلى أن تقوم الساعة؛ لكن لابد من توفر جميع الصفات التي قصدها رسول الله ﷺ حتى نُدخل الشخص في علم الخلاف وننظر في قوله؛ هذا من جانب.

        أما الجانب الثاني فهذه الفرقة المنصورة ليس عندها خلافٌ في أصول التشريع؛ لأنه كما يُعلم أن هذه الشريعة مؤسسة على قواعد، وأن هذه القواعد تتكون من الأدلة، تُستقرأ الأدلة التي تُكونُ القاعدة، وقواعد الشريعة تارةً تكون قواعد من جهة الأحكام، أو قواعد من جهة الأدلة التي تعتبر والتي لا تعتبر، أو قواعد من جهة فهم الأدلة، أو قواعد من جهة رد النوازل إلى مواردها من الشريعة.

        وفيه أمورٌ يحتاج إليها طالب العلم وبخاصةٍ في هذا الزمن؛ مثل: معرفة مصطلحات المذاهب، ومعرفة قواعد كل مذهب؛ وكذلك معرفة أسباب الخلاف بين هؤلاء العلماء.

فتبين لنا من هذا كله أنه لابد من التأكد من الشخص الذي تكلم في مسألةٍ علمية، وأن الكلام يكون في الفروع؛ أما الأصول فلم يختلفوا فيها. قد يختلفون في جزئيات؛ لكن من حيث الأصل فهم لم يختلفوا على أن مبادئ هذه الشريعة ضروريات وحاجيات وتحسينيات، ولم يختلفوا في هذه الشريعة على أنها كاملة، ولم يختلفوا على أنها عامة؛ إلى غير ذلك من القواعد التي تكونت من خلال الأدلة الاستقرائية كما هو مبينٌ في كتبهم.

ولكن الشيء المهم -هنا- هو أنه قد يلتبس على الشخص الذي يريد أن يسأل يلتبس عليه من هو الشخص الذي يصلح أن يُسأل هذا السؤال؛ هذا من جهة. ومن جهةٍ ثانية أن الشخص المسؤول قد لا يكون مؤهلاً للإجابة عن هذا السؤال، ولكنه يندفع ويجيب، فعندما يحصل اثنان أو ثلاثة أو أربعة من هذا النوع يحدثون بلبلةً في المجتمع بأن هذه مسألة خلافية. والواقع أنهم ليسوا بمؤهلين أن يتكلموا  في هذه المسألة. وبالله التوفيق.

المذيع: قد يكون تسهيل الفتوى عند بعض الناس عن طريق سهولة الاتصال بالفضائيات، أو عن طريق الإنترنت، أو عن طريق الهاتف الجوال، فيجد فرصة سهلة يكون عنده سؤال فبمجرد ما يخرج من يفتي في قناة فضائية فيبادر بالاتصال إليه؟

الشيخ: فيه فرقٌ بين جعل الدين وسيلة للحصول على الدنيا، أو أن الدنيا تكون وسيلة لحصول العلم. وفيه ظاهرة في وسائل الإعلام وهذه الظاهرة يكون الهدف الأساسي منها هو الحصول على المال، ويفتحون أبواباً للفتوى ويشترك أشخاص عن طريق الجوالات أو عن طريق القنوات أو ما إلى ذلك، والشخص الذي يتبنى هذا الموضوع؛ الهدف الأساسي عنده المال، ومن أجل ذلك هو لا يتحرى الشخص الذي تبرأ الذمة به من ناحية تصديه للإجابة عن الأسئلة التي تُقدم.

وبناءً على ذلك فبالنسبة للشخص الذي يضع هذه المشاريع عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، فإنه مسؤولٌ عن ذلك، وعلى الشخص الذي يسأل ألا يندفع في مثل هذه الأمور، وعليه أن يتصل بالجهات التي يثق فيها. وعلى الشخص المسؤول -لأن هذا في السائل- أن يراقب الله -جل وعلا-؛ لأن بعض الناس يندفع إلى ذلك من أجل المكافآت والمغريات التي تدفع له؛ هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى حب الظهور؛ لأن بعض الناس تغلب عليه هذه الصفة، فعلى كل واحدٍ منهم أن يتقي الله -جل وعلا- وليعلم أنه مسؤول، وعليه إعداد الجواب. وبالله التوفيق.