معنى حديث: « من سمع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به » ومدى صحته
- شرح الأحاديث
- 2021-06-26
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (703) من المرسل ص.ع.ح من المنطقة الغربية وادي فاطمة، يقول: إن رسول الله ﷺ قال: « من سمع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به »[1] هل هذا حديث؟ وهل يدل على أنه لو قرأ القرآن وأحد سمعه، أوصلى متطوعاً وأحد رآه؛ هل هذا من الرياء والسمعة؟
الجواب:
الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وكل شخص يسلك معه ما يناسبه، فالعابد المطيع لله والممتثل لأوامره المجتنب لنواهيه يدخل معه في عبادته ويوسوس فيها، ومن ذلك أن يحول بينه وبين العبادة؛ سواء كانت العبادة بدنية كالصلاة، أو قولية كقراءة القرآن والذكر، أو عبادة مالية؛ فإنه يوسوس له من أجل ألّا يفعل هذه العبادة.
وعلى هذا الأساس فلا ينبغي للشخص أن ينظر إلى الأمور التي تقع في نفسه، ويظن أنها قد تحول بينه وبين أداء العبادة؛ لأن ذلك من نزغات الشيطان، فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يستمر على فعل هذه العبادة. فإذا كان يقرأ القرآن نظر إلى ما تحققه القراءة من المصلحة له، فبعض الناس لا يتدبر القرآن إلا إذا قرأه جهراً، والبعض لا يتدبره إلا إذا قرأه سراً؛ فعليه بالنظر إلى حالته وما يصلح له من قراءة الجهر والسر، وهذا لا يمنع من أن يفعل الإنسان أفعالاً في السر تكون مرضية لله، ولهذا قال الرسول ﷺ: « أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة »[2]، وعندما يصلّي في بيته مختفياَ عن الناس فيكون محل خاص يصلّي فيه، ولا يعلم عنه أهله؛ ولكن لو أراد أن يصلّي في المسجد وقال: إنه لا يريد أن يصلّي تطوعاً، أو لا يقرأ القرآن؛ لكي لا يقول الناس: إنه مرائي، فهذا كله من الشيطان.
أما المقصود بالحديث إذا كان الباعث على العمل لغير الله: « من رائى رائى الله به، ومن سمّع سمّع الله به » ؛ يعني: إن الإنسان يفعل أفعال الخير من أجل أن يقول الناس فعل هذا الشي، أو أنه يقرأ القرآن من أجل أن يتحدث عنه الناس بأنه قال هذا الشي؛ أي: يحسّن صوته لا من أجل أن يؤثر على نفسه أو المستمعين؛ ولكن ليسمّع الناس حسن صوته ويذكروه بحسن الصوت.
في هذه الحال لم يقصد مقصداً شرعياً، ولهذا كان الجزاء من جنس العمل، وهذا الحديث له أصل في الشريعة، وهو قاعدة الأمور بمقاصدها، ومن القواعد في الشريعة التي أجراها الله أن الجزاء من جنس العمل، فلما راءى راءى الله به، ولما سمّع سمّع الله به؛ فكان الجزاء من جنس العمل.
وعلى هذا الأساس فعلى الشخص إذا أراد أن يعمل عملاً أن يلاحظ أمرين، الأول: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة؛ أي: الموافقة لشرع الله.
وهذان شرطان لا تصح العبادة إلا بهما، وقد جاء هذا الشرطان في القرآن بقول الله: "وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ"[3]، وقوله: "بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ"[4].
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن العمل لا بدّ فيه من الإخلاص والمتابعة ليكون مقبولاً، ولا ينبغي للعبد أن يؤسس بقلبه أن يكون الباعث على عمله قصداً لا يرضي الله. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة(8/104)، رقم (6499)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله (4/2289)، رقم(2986).